عقدت لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية جلسة يوم الأربعاء 24 جانفي 2024 خصّصتها للاستماع إلى وزيرة التجهيز والإسكان حول مشروع القانون المتعلق بالبنايات المتداعية للسقوط.
وأبرزت الوزيرة أهمية هذا المشروع، الذي تطلّب مجهودات كبرى لإعداده بالتنسيق مع مختلف الهياكل ذات الصلة قبل عرضه على مجلس نواب الشعب. وأوضحت أنه يبيّن كل ما يتعلق بمسؤوليات صيانة البنايات المتداعية للسقوط وتأهيلها وتثمينها أو تعويضها ببنايات جديدة ذات طاقة استيعاب أوفر وخدمات أكبر أو كذلك إنجاز عمليات جماعية في شكل تدخلات عمرانية بهدف استصلاح الأحياء السكنية القديمة وتهذيبها وتطويرها. وأكدت أن هذا التشريع الجديد سيكون له الأثر الإيجابي على قطاعي الإسكان والتهيئة العمرانية بصفة خاصة ومباشرة وعلى دفع التنمية بعدد هام من الولايات المعنية.
ثم قدّمت الوزيرة تقريرا حول مراحل إعداد مشروع هذا القانون والفلسفة التي انبنى عليها والحلول التي يقترحها لمعالجة وضعية البنايات المتداعية للسقوط. وأفادت أن البنايات المتداعية للسقوط تمثل جزء هاما من الرصيد السكني القائم، خاصة في المدن الكبرى. وبيّنت أن التعداد العام للسكان لسنة 2014 أفرز أن الرصيد السكني القائم يعدّ حوالي 3,3 مليون وحدة سكنية 6 % منها مبنية قبل سنة 1956 (حوالي 28 % منها بتونس الكبرى). وأضافت أن الإحصائيات الأولية أظهرت أن عددا هاما من هذه البنايات (ما يناهز 5000 عقارا حسب المعاينات الميدانية الأولية) أصبحت متداعية للسقوط وتهدد سلامة المارة والمتساكنين والأجوار بسبب قدمها وعدم صيانتها.
وذكّرت الوزيرة أن التعامل مع هذا الرصيد العقاري القديم إلى حدود الشروع في إعداد مشروع هذا القانون تم بالاعتماد على الآليات القانونية المتاحة والتي عوضها حاليا القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المتعلق بمجلة الجماعات المحلية، مؤكدة أنه تم التدقيق والحرص على ألّا يتعارض مشروع القانون المقترح مع أحكام المجلة في كل ما له صلة بالبنايات المتداعية للسقوط.
وأضافت الوزيرة أنه تبيّن، من خلال الممارسة، أن تفعيل الآليات القانونية الحالية بقي دون المأمول وذلك للأسباب عديدة منها التخوّف من الانعكاسات الاجتماعية للتدخّل بالإخلاء أو الهدم في ظلّ غياب تصوّرات وبرامج معدّة مسبقا لإعادة الإيواء أو التعويض أو إعادة البناء، وصعوبة تحديد هوية المالك لتعقد الوضعية الاستحقاقية للبنايات، وعدم وضوح الرّؤية أمام المتصرّف البلدي حول كيفية التعامل مع هذه الوضعيات سواء بصفة تلقائيّة في في إطار سلطة الضبط الإداري أو مع استصدار إذن قضائي. كما اشارت الوزيرة الى الأسباب المتعلقة بغياب تقاليد في التعامل الفني مع هذه الوضعيات التي تستدعي توظيف مبالغ مالية هامة ورصيد بشري يفوق قدرات الجماعات المحلية أو المالك، و كذلك الصعوبات التي تعترض المالك عند إخلاء العقار من الشاغلين، إضافة إلى التعقيدات الإدارية في الحصول على رخصة الهدم، وغياب إحصائيات دقيقة لهذا الرصيد العقاري وغياب برامج لمتابعته، فضلا عن غياب تعامل تدريجي ومرحلي مع هذه الوضعية، منذ الاستقلال، في ظل التركيز الكلي على الإحداثات الجديدة مما أدى إلى تضخم عدد البنايات المهدّدة بالسقوط وإلى تعسر مهمة التدخل من قبل الجماعات المحلية.
و استعرضت عديد الاسباب الأخرى التي حالت دون تفعيل الاليات القانونية الحالية، ثم قدّمت توضيحات عن المنهجية التي تم اعتمادها لوضع أسس مشروع هذا القانون ومضامينه، مؤكّدة إعداده وبلورة نصه النهائي بالتنسيق مع مختلف المؤسسات والهياكل العمومية ذات الصلة، مع تشريك عديد الهيئات المهنية المعنية.
وخلال النقاش، تقدم النواب بجملة من الملاحظات والاستفسارات تمحورت أساسا حول إشكالية التنفيذ حيث أنّ هناك العديد من قرارت الهدم أو الخروج لم يتم التمكن من تنفيذها إلى حد الآن لعدة اعتبارات من أهمها ضعف إمكانيات البلديات وطول الإجراءات الإدارية من اعلام وايواء وتعويض لذلك يجب إيجاد الآليات الكفيلة للتدخل السريع والناجع. وأكّدوا في هذا السياق، اشكالية طول إجراءات التشخيص التي لا تتلاءم مع الخطر الوشيك والمؤكد لوضعية معظم هذه البنايات.
كما أشاروا إلى الصعوبات التي تواجهها البلديات في التنفيذ خاصة منها الحاق سلك مراقبى التراتيب البلدية بالأمن العمومي مما أدى إلى صعوبات في المعاينات، إضافة إلى التعطيلات الإدارية المتعلقة بالتبليغ والصعوبات المالية وضعف التجهيزات والمعدات.
واقترح النواب إدراج أصناف أخرى من البنايات المدنية ضمن مشروع هذا القانون والمهددة بالسقوط خاصة منها المستشفيات والكليات والمدارس والبناءات الفوضوية والمبيتات، مشيرين إلى أهمية عملية الصيانة للحد من التداعي السريع للبنايات وضرورة ردع المخالفين، إضافة إلى وضع رؤية استراتيجية على مستوى المدن العتيقة والحدّ من البناء العشوائي ومراقبة مدى احترام المواصفات الفنية في البناءات التي هي بصدد الإنجاز لتجنب المخاطر المنجرة عن ذلك.
وتطرّق النواب إلى أهمية معاضدة مجهود الدولة من خلال احداث صناديق تساهم في تحمل مصاريف تعويض الشاغلين وإعادة إيواء المتساكنين مع إعطاء الأولوية في ذلك للوضعيات الاجتماعية الهشة . وأشاروا إلى أنّ البناءات المتداعية للسقوط لا تتعلق بالمدن الكبرى فقط بل توجد في الأرياف أيضا ويجب أن يشملها مشروع هذا القانون.
وأكّد بعض النواب من جهة أخرى، أهمية جدولة البناءات ذات الأولوية حسب درجة الخطورة من قبل المختصين الفنيين وذلك بصفة آنية وبالتوازي مع مناقشة مشروع هذا القانون لتيسير تطبيقه بعد المصادقة عليه في أقرب الآجال.
وفي تفاعلها مع تدخلات النواب، أكدت الوزيرة أن مشروع هذا القانون سيكون إطارا ينظم عمل جميع الأطراف المتدخلة في علاقة بالبنايات المتداعية للسقوط والذي من شأنه تحديد المسؤوليات والتسريع في تنفيذ الإجراءات المتعلقة بهذه المباني، مشيرة إلى أنّ هذا الإطار القانوني سيفسح المجال لجلب الهبات والمنح من الممولين الدوليين التي ستساهم في معاضدة مجهودات الدولة في توفير التمويلات الضرورية للايواء والتعويض وصيانة البنايات ذات البعد التراثي.
وأكّدت بخصوص ضعف الإمكانيات المتاحة للبلديات أنّ هذه الأخيرة غير قادرة بمفردها على تكبد مصاريف الهدم والايواء، مبيّنة أن مشروع هذا القانون سيخول لوزارة التجهيز والاسكان معاضدة البلديات وذلك بتنفيذ المهمات الكبيرة. وأشارت إلى أهمية دور الصندوق الوطني لتحسين السكن والى إمكانية إيجاد صيغ أخرى لمعاضدته.
كما أشارت الى ضرورة الصرامة في تطبيق القانون للحد من البناء الفوضوي، مبيّنة أنّ الوزارة تعمل على هذا الجانب من خلال برنامج تهذيب وادماج الأحياء السكنية من تحسين وتعبيد وربط الشبكات بالتنوير العمومي.
وقرّرت اللجنة في ختام أشغالها الاستماع في مرحلة أولى إلى ممثلين عن وزارات الداخلية والعدل وأملاك الدولة والشؤون العقارية والشؤون الاجتماعية، و في مرحلة ثانية الاستماع إلى عمادة المهندسين وهيئة المهندسين المعماريين وبعض أطراف من المجتمع المدني المعنيين بمشروع هذا القانون.