ترجع نشأة الديبلوماسية البرلمانية إلى تاريخ ظهور البرلمانات في العالم وليس أدلّ على عمقها في التاريخ من أنّ تأسيس الاتحاد البرلماني الدولي يعود الى سنة 1889، ثم توالى بعد ذلك تأسيس الاتحادات والمنظمات البرلمانية بالتوازي مع تعدّد المنظمات الحكومية الاقليمية والجهوية والدولية لكنها بقيت غير معروفة لدى العامة، واعتبر الكثيرون هذه الاتحادات والمنظمات مجرد منابر للتعبير عن جملة من المواقف تُجاه قضايا معينة أو أنها لا تتعدى أن تكون مقابلات مجاملة بين برلمانيي بلدان تربط بينهم صلات مختلفة منها العرقية والدينية والجغرافية.
لكن بيّنت الأحداث قصور هذا الفهم إذ أنّ الديبلوماسية البرلمانية أثبتت نجاعتها في عديد الجبهات وفي مختلف المجالات وأصبحت آلية مؤثرة وناجعة في أغلب الاحيان خاصة وأنها غير مقيدة بالحواجز والبرتوكولات الحكومية المألوفة. فالبرلمانيون وعلى خلاف أعضاء الحكومات، لهم مجال أرحب للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بأكثر حرية ومرونة إضافة الى تعدّد انتماءاتهم السياسية وتمثيلهم لجميع الأنظمة والحساسيات.
وقد عرفت الديبلوماسية البرلمانية خلال السنوات الأخيرة ازدهارا كبيرا سواء على الصعيد الثنائي من خلال تبادل الزيارات بين المجالس البرلمانية وإنشاء مجموعات الصداقة، أو على الصعيد متعدد الأطراف من خلال طبيعة المواضيع التي تتصدر جداول أعمال المنظمات والاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية، والمتعلقة بالعديد من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ومن أبرز مظاهر ازدهار الديبلوماسية البرلمانية ارتفاع عدد أعضاء الاتحاد البرلماني الدولي إلى 146 بلدا، وإقامة الجمعية العامة للأمم المتحدة جسرا مع البرلمانات الوطنية بدعوة وفد برلماني عن كل دولة للمشاركة في كل الجلسات العلنية للجمعية، وهناك فكرة البعد البرلماني في هيئة الأمم المتحدة أي تعزيز هذه المنظمة بجناح برلماني يُسمى الجمعية البرلمانية للأمم المتح (UNPA)
وعلى المستوى الاقليمي، نلاحظ أنّ الاتحادات والجمعيات البرلمانية في تزايد مستمر، حتى أنه يصعب تحديدها بدقة، إلا أنه يمكن القول بأنّ هذه الهياكل البرلمانية تنشأ إما على أسس جغرافية مثل مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي والبرلمان العربي والبرلمان الإفريقي، والجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، والبرلمان الأوروبي، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وغيرها ... أو على أسس موضوعية مثل الجمعية البرلمانية للفرنكفونية بالنسبة لقضايا تطوير اللغة الفرنسية، والجمعية البرلمانية لمنظمة حلف الشمال الأطلسي بالنسبة لقضايا الأمن والدفاع، وغيرها ...
وظهرت شبكات برلمانية أخرى متخصصة نذكر منها الشبكة البرلمانية العالمية لمحاربة الفساد، والشبكة البرلمانية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والشبكة البرلمانية لنزع الأسلحة النووية، والشبكة البرلمانية لدعم اللامركزية والتنمية.
كما تحرص الديبلوماسية التونسية على الارتقاء بالعلاقات الخارجية إلى مستوى التطلعات المرجوة خاصة بعد الثورة وما تتطلبه مرحلة الانتقال الديمقراطي وبناء المؤسسات الدستورية من توثيق التعاون والاستفادة من الخبرات والتجارب الأجنبية. كما تلعب مجموعات الصداقة البرلمانية دورا هامّا في دعم العلاقات الثنائية مع عديد المجالس التي تربطنا بها علاقات وطيدة، حيث تشكل هذه المجموعات دعما للنشاط البرلماني وهي وسيلة هامة للتقارب وتبادل الخبرات بين البرلمانيين.