عقدت لجنة التشريع العام جلسة يوم الاثنين 30 جوان 2025 خصّصت لمواصلة النظر في الصيغة الموحدة لمقترحي القانونين عدد15/2023 و28/2023 المتعلقين بتنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية واستمعت خلالها الى أساتذة مختصين في القانون الجزائي.
واستهلت اللجنة أشغالها بالاستماع الى الأستاذ منجي لخضر الذي بيّن أن الفصل 96 من المجلة الجزائية يشتمل على ستة أفعال إجرامية وهي: استغلال الصفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها للنفس، واستغلال الصفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها للغير، واستغلال الصفة للإضرار بالإدارة، ومخالفة التراتيب لاستخلاص فائدة لا وجه لها للنفس، ومخالفة التراتيب لاستخلاص فائدة لا وجه لها للغير، ومخالفة التراتيب للإضرار بالإدارة، وهو ما استقر عليه فقه القضاء في عدة قرارات سواء تعقيبية أو صادرة عن محاكم الأصل مما ينجر عنه التوسع في نطاق التجريم وتكبيل الموظفين عن انجاز ما يناط بعهدتهم وتحمل مسؤولياتهم.
وأفاد أنه كان من الأجدر تلخيص هذه الأفعال الاجرامية في جريمة واحدة مع ضرورة تحديد هذه الأعمال بكل دقة بحيث يجب إبراز عنصر توفّر شرط ارتباط عمل الموظف بالمخالفات. وبيّن أن التراتيب يجب أن تكون مقننة ومعلومة لأنه لا يمكن معاقبة موظف لمخالفته لقرارات غير مقننة وغير موجودة.
وفيما يتعلّق بالأشخاص المعنيين بالعقوبة بيّن الأستاذ منجي لخضر أنّ القائمة المنصوص عليها بالفصل 82 من المجلة الجزائية لم تستوعب جميع الحالات، واقترح إضافة فقرة تتعلق بالأشخاص العاملين في مؤسسات تساهم الدولة في رأس مالها.
وأضاف أنّ الفصل 96 المذكور لم يتضمّن ضرورة توفّر القصد الجنائي لارتكاب تلك الأفعال والذي يفترض العلم بهذه الجرائم وتوفر النية في ارتكابها، وهي حسب تعبيره من أكبر الهنّات و النقائص التي يتّسم بها الفصل 96 من المجلة الجزائية والتي تجعله يحد من اجتهادات الموظفين وقدرتهم على اتخاذ القرارات الادارية الضرورية والمناسبة، خاصة وأنّ المشرّع اشترط توفّر شرط القصد الجنائي في ارتكاب المخالفات في إشارة إلى بعض فصول المجلة الجزائية.
كما بين أنّ الفصل المذكور لم يتضمّن تحديدا لأركان هذه الأفعال الستة المجرمة حيث وردت مطلقة وفضفاضة.
كما أيّد الأستاذ منجي لخضر التعديل المتعلّق بالحط من العقوبة السجنية من عشرة إلى ستة سنوات وبخطية مالية أو بإحدى العقوبتين. واقترح التخلّي عن فعل الإضرار بالإدارة والاقتصار فقط على تحقيق المنفعة ذلك أن الإضرار بالإدارة ناتج عن اجتهاد اداري يستوجب المساءلة الإدارية وليس العقوبة السجنية.
ومن جانبه بيّن الأستاذ حاتم بالأحمر أنّ الفصل 96 من المجلة الجزائية شهد إفراطا وسوء تطبيق خاصة بعد سنة 2011 وهو ما أدّى إلى تعكير الأجواء سواء على مستوى نسق العمل الإداري أو على مستوى دفع الاستثمار.
وأيّد بدوره منحى المشرّع نحو تعديل هذا الفصل بالتخفيض أولا في العقوبة السجنية الى ست سنوات والذي يمكّن من النزول بها الى ستة أشهر والإسعاف بتأجيل التنفيذ. كما اعتبر فيما يتعلّق بتحديد الأشخاص المعنيين بالعقوبة السجنية الاقتصار على ما جاء بالفصل 82 من المجلّة الجزائية الذي يعرّف الموظّف العمومي وشبهه دون التوسع في تلك القائمة.
واقترح الأستاذ حاتم بالأحمر التخلّي عن جريمة الإضرار بالإدارة والاكتفاء بتحقيق المنفعة. كما ساند اقتراح إحدى العقوبتين لما يتضمّنه من تحفيز وتقليص من وطأة العقوبة الجزائية، إضافة الى تحديد نوعية الفائدة بكونها مادية بالرغم من حسم محكمة التعقيب في ذلك في عديد قراراتها.
كما اقترح في إطار تفادي الشكايات الكيدية والحفاظ على سمعة الموظف المتهم، التنصيص صلب التعديل المقترح على ضرورة ألا يتم إيقاف الموظف إلا بعد إجراء اختبار في الغرض يؤكد صحة و جدية الشكاية من عدمها.
من جهتها ثمّنت الأستاذة نجاة البراهمي هذه المبادرة التشريعية باعتبارها تنسجم مع التوجهات الدولية المقارنة الرامية إلى الحد من العقاب ومراجعة التجريم في اتجاه التضييق باعتبار أن الجريمة التي يتناولها الفصل 96 تقترب أكثر إلى الجرائم الاقتصادية منها إلى جرائم الحق العام.
وأكّدت من جهة أخرى أنّ الصيغة التوافقية لتنقيح الفصل 96 غيرت نوع الجريمة سواء على مستوى الفعل المجرم أو على مستوى صفة الفاعل.
وبيّنت بخصوص الفعل المجرم أنّه تمّ المرور بمقتضى نص الصيغة التوافقية من جريمة مادية إلى جريمة قصدية من خلال التركيز على "تعمّد استغلال الصفة للقيام بالفعل المجرم" وهو ما من شأنه أن يضيق في مجال التجريم، إذ لا إدانة إلا بثبوت الركنين المادي والمعنوي للجريمة وهو ما لا يتوفر في الفصل 96 الحالي من المجلة الجزائية.
وبخصوص الفاعل فقد تم الاعتماد على الموظف العمومي أو شبهه كيفما عرفه الفصل 82 من المجلة الجزائية، وهو نفس التعريف الذي تعتمده محكمة التعقيب عند الإحالة على معنى أحكام الفصل 96 الحالي، على أنّ هذا التعريف قد يبقي فئة من الموظفين خارج مناط الفصل 82 وهم المستخدمون من الإدارات العمومية وبالتالي بإمكان أصحاب القرار ارتكاب جرائم بأيادي المستخدمين دون أن يطالهم العقاب المقرر لجريمة اختلاس الأموال العمومية، وعليه يجب مراجعة النص في اتجاه إقحام هذه الفئة.
وفي تفاعلهم أبدى النواب حرصهم على الموازنة بين المحافظة على المال العام وبناء مناخ الثقة بين المواطن والموظف العمومي ، مؤكّدين ضرورة الأخذ بمبدأ الاستقامة وسلامة النية في التعامل مع الموظف حتى يفسح له المجال للاجتهاد وإيجاد الحلول للمسائل الي تتطلّب تدخّلا عاجلا خدمة للصالح العام والمصلحة العليا للوطن.
وبعد نقاش مستفيض وتبادل الآراء والمواقف، توصّلت اللجنة إلى صيغة توافقية لعرضها على التصويت خلال اجتماعها المقبل، تضمّنت بالخصوص الحط من العقوبة السجنية إلى ستة سنوات والتنصيص على الركن القصدي للجريمة .