كلمة السيد ابراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب في افتتاح الجلسة العامة المخصصة لانطلاق المداولات حول مشروع ميزانية الدولة والميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2024.

الجمعة 17 نوفمبر 2023
السيدات والسادة النواب الزملاء المحترمون، أسعد الله صباحكم بكل خير،
يسعدني في مفتتح هذه الجلسة العامة الأولى لمجلسنا الموقّر ضمن سلسلة الجلسات العامة المخصّصة للنظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2024 أن أتوّجه إلى السيد أحمد الحشّاني رئيس الحكومة وكافة السيدات والسادة أعضاء الحكومة بأحرّ عبارات الترحيب وخالص التقدير، متمنّيا لهم جميعا التوفيق والسداد في مهامهم لما فيه المصلحة العليا للوطن.
سيدي رئيس الحكومة، السيدات والسادة أعضاء الحكومة، زميلاتي زملائي الأعزّاء، استسمحكم للوقوف لتلاوة الفاتحة ترحّما على الأرواح الزكيّة للشهداء الذين يسقطون يوميا على أرض فلسطين الطاهرة جراء العدوان الهمجي وآلة الحرب الصهيونية.
زميلاتي زملائي الأعزّاء،
على بركة الله نفتتح هذه السلسلة من الجلسات العامة لمجلس نواب الشعب أوّل مجلس تشريعي منبثق عن دستور 25 جويلية 2022 بكل ثقة في النفس وفي عزمنا الثابت والمشترك على المضي قدما في العمل الدؤوب والجاد من أجل الوفاء بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا أمام شعبنا وباليمين الدستورية التي قمنا بأدائها في مستهل تسلمّنا لعهدتنا النيابية في إطار المقتضيات الدستورية من جهة، وانطلاقا، من جهة أخرى، من قناعتنا بحتمية الإصلاح وانخراطنا في مسار إنقاذ الدولة من الانهيار وإعادة الاعتبار لمؤسساتها والذود عن سيادة الوطن وكرامة بناته وأبنائه،
نشرع في خوض غمار جلسات مناقشة مشروع ميزانية الدولة للسنة المقبلة وكلنا أمل في أن تكون حافزا على الإضافة ومواصلة العمل بمزيد من الحماس والشغف وأداء الأمانة على الوجه الأفضل وتحقيق النتائج التي نطمح إليها جميعا.
السيد رئيس الحكومة،
السيدات والسادة أعضاء الحكومة،
السيدات والسادة الزملاء،
إن التشخيص الموضوعي للأوضاع ببلادنا يحيل على ما تواجهه تونس من تحديات اقتصادية واجتماعية وتنموية، بعضها هيكلي وبعضها الآخر ظرفي ناجم عن مخلّفات جائحة الكورونا وانعكاساتها السلبية على مؤشرات التنمية ونسب النمو عالميا وإقليميا ووطنيا، فضلا عن تضرّرنا من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ومجمل التطورات الجيو استراتيجية والتكنولوجية النوعية التي من شأنها أن تنعكس على فرص التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا كما في مختلف دول المعمورة.
وإذا سلمنا أن بلادنا ليست بمنأى عن هذه المخاطر وبفشل منوال التنمية القديم ومختلف السياسات التي تمّ اتباعها خلال العشرية السوداء التي كادت أن تتسبب في انهيار الدولة وتراجع الإحساس بالانتماء للوطن مقابل بروز الولاءات الحزبية والفئوية، إلا أنّ تونس لديها نساء ورجال ولديها مؤسساتها المنبثقة عن دستور 25 جويلية 2022، وهي مقبلة بهم وبوطنيتهم الصادقة على وضع الرؤى الاستشرافية ورسم الخطوط العريضة للإصلاح في شتى المجالات التنموية وخاصة الإصلاحات المُحكمة التي تتصل بالتنمية في الجهات، وتعزيز مقومات العيش الكريم، والتوزيع العادل للثروات، والعدالة الجبائية، وتنمية اقتصاد أكثر تنوعاً وقدرة على الصمود، وإدماج الاقتصاد الموازي، تحديث الإدارة وتطوير الأطر التشريعية والتنظيمية الداعمة للاستثمار.
فنحن جميعا مدعوون للانخراط والمساهمة الجادة في هذا التمشي الاستشرافي وفي تفعيل أهم الإصلاحات التي تستوجبها المرحلة. كما أنّنا مطالبون بالتشبّع بثقافة الأمل ومضاعفة البذل والعطاء في هذه المرحلة الدقيقة التي تحتاج فيها تونس إلى إخلاص جميع بناتها وأبنائها وتفانيهم اللامشروط في خدمتها وازدهارها ورقيّها من أجل إحداث نقلة نوّعية في النمو وبلوغ تحسّن اقتصادي ملموس يصل تأثيره مباشرة للمواطن البسيط ويدعم قدرته على مجابهة مصاعب الحياة.
السيد رئيس الحكومة،
السيدات والسادة أعضاء الحكومة،
السيدات والسادة الزملاء،
نحن مدعوون إلى توجيه رسائل طمأنة وثقة في المستقبل وفي مؤسسات الدولة وسياساتها، ودونما شك فنحن نتقاسم مع الوظيفة التنفيذية الوعي بجسامة التحديات المطروحة وبالمسؤولية الملقاة على عاتقنا لرفعها استجابة للتطلّعات والانتظارات، وفي هذا الإطار أجدّد التأكيد على أنه يجب على الجميع بذل مزيد من الجهد واعتماد الأساليب والمناهج الكفيلة بإرجاع الثقة في مؤسسات الدولة وزرع الطمأنينة في النفوس. كما ينبغي علينا العمل على إعادة إحياء ثقافة العمل من أجل بناء حاضر شعبنا واستشراف مستقبل الأجيال القادمة وإيجاد الارضية الملائمة للنماء والرفاه الاجتماعي المنشودين.
ولن يصعب علينا، في اعتقادي، السير على هذا الدرب السوي ما دامت العزيمة المشتركة بيننا متوفّرة وثابتة وقويّة وصادقة، وما دمنا نؤمن عميق الإيمان بأننا قد انخرطنا في مسار يؤسّس لتونس جديدة بمؤسسات مسؤولة وقوّية، وهو ما يتطلّب وضع اليد في اليد لخدمة الوطن وجعل مصلحته العليا فوق كلّ اعتبار ليسجّل التاريخ أن هذه المؤسسات الجديدة جعلت
لخدمة الوطن وما عليها إلا أن تستجيب لتطلّعات الشّعب وأن تعمل لفائدته.
السيد رئيس الحكومة،
السيدات والسادة أعضاء الحكومة،
السيدات والسادة النواب،
إذ نؤكّد من هذا المنبر الاستعداد الأمثل والتام لمجلس نواب الشعب وللحكومة على حد السواء للنظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2024 في كنف التشاركية ووفقا للمقتضيات الدستورية ولأحكام القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 المتعلّق بالقانون الأساسي للميزانية، فإنّنا نطمح إلى أن تكون هذه الجلسات العامة مناسبة للاستماع إلى بيانات الحكومة ورؤيتها لتجاوز الصعوبات الماثلة وللخوض في مجمل سياسات الدولة وبرامجها وخططها الاصلاحية في مختلف المجالات والميادين، وللتقدّم بالمقترحات البنّاءة في إطار التعاون المأمول بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية، واضطلاع البرلمان بدوره الهام في هذا المجال عبر المصادقة على مشروع قانون المالية في الآجال الدستورية.
ولا بد من التنويه في هذا الإطار بالجهد المبذول في كلّ اللجان القارة وخاصة لجنة المالية والميزانية بالنظر إلى الحوارات والتفاعلات التي تمّت خلال أشغال اللجان على امتداد الفترة المنقضية والتي أخذت بعين الاعتبار متطلبات التحكّم في التوازنات المالية ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
إنّ مجلس نواب الشعب، إذ يتقاسم مع الوظيفة التنفيذية مختلف المبادئ والقيم التي ارتكز عليها مسار 25 جويلية ومن ذلك على وجه الخصوص مبدأ التعويل على الذات والحفاظ على الدور الاجتماعي للدولة، فإنّه يتطلّع إلى أن تعرض عليه حزمة من مشاريع القوانين التي تتصل بالإصلاحات الجوهرية ذات العلاقة بالوضعية الاقتصادية في البلاد، وبقطاعات المالية ودعم الاستثمار والاصلاح الإداري.
ولابد من التأكيد في هذا الباب على أهمية العمل المشترك على التنزيل التشريعي للدستور بمراجعة جميع التشريعات التي أصبحت غير متلائمة مع مقتضيات الدستور وغير متماشية مع فلسفته، فضلا عن سنّ القوانين الجديدة التي يتطلبها هذا التنزيل للمبادئ والتوجّهات التي جاء بها دستور 25 جويلية 2022.
وفي هذا الإطار تنتظرنا عديد التشريعات الهامة التي تتطلّبها المرحلة على غرار القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية والقانون المنظّم للعلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، ونسجّل اليوم بكل ايجابية التقدّم الملحوظ في مسار إرساء الغرفة الثانية لاسيما مع الانطلاق الفعلي في غمار الانتخابات الخاصة بأعضاء المجالس المحلية.
السيد رئيس الحكومة،
السيدات والسادة أعضاء الحكومة،
السيدات والسادة النواب،
يظلّ مجلسنا على أتمّ الاستعداد لمواصلة دراسة مختلف الأوضاع التي تمر بها البلاد والوقوف إلى جانب الوظيفة التنفيذية ومعاضدتها في كلّ ما من شأنه أن يسهم في الاصلاح، وذلك عبر النظر بكل جدّية وعمق في سائر المسائل المعروضة، منطلقنا في ذلك التوصّل معا إلى اعتماد برنامج سنوي للتشريعات يتمّ ضبطه في بداية كل سنة مالية بين الحكومة ومجلس نواب الشعب بمّا يمكّن البرلمان من حسن القيام بدوره التشريعي وفي مراقبة العمل الحكومي ومتابعة رزنامة الانجاز وحوكمة المسار القانوني. وهو ما من شأنه أن يمكّن من إعداد رزنامة واقعية ومدروسة للعمل النيابي تكون دورية كل 6 أشهر وتسهم في توضيح الرؤية لدى مختلف المتدخلين.
وأجدّد التأكيد بالمناسبة على أنّنا في هذا المجلس نعمل وفق مبادئ دستور 25 جويلية. فالوظيفة التنفيذية تقوم بدورها، وتسهر الوظيفة التشريعية على ممارسة صلاحياتها بكل استقلالية مع الحرص على التناغم الإيجابي معها، ديدننا الاستجابة لتطلعات شعبنا وتحقيق الغاية الفضلى المتمثّلة في خدمة مصلحة الوطن العليا وتحقيق رقي البلاد وازدهارها في شتى المجالات وبجميع ربوع تونسنا العزيزة.
حفظ الله تونس وشعبها، وإن شاء الله بالتوفيق لأعمالنا.

الملفات المرفقة :

مقالات أخرى