نظّمت الاكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب صباح اليوم الاثنين 08 جويلية 2024 بمبادرة من لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة، يوما دراسيا برلمانيا حول "تطوير منظومتي التعليم التقني والمهني"، أشرف عليه السيد ابراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، وذلك بحضور كل من السيدة سلوى العباسي وزيرة التربية والسيد لطفي ذياب وزير التشغيل والتكوين المهني، ونائبي رئيس المجلس السيدة سوسن مبروك والسيد الأنور المرزوقي، والسيد فخر الدين فضلون رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة، كما حضر هذا اليوم الدراسي عدد هام من النواب ومن إطارات وزارات التربية، والتشغيل والتكوين المهني، والتعليم العالي والبحث العلمي.
وأبرز السيد ابراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب في كلمته الافتتاحية، أهمية فتح ملف منظومتي التعليم التقني والمهني باعتباره أصبح الشغل الشاغل لكافة مكوّنات المجتمع، فضلا عن الوظيفتين التنفيذية والتشريعية. وبيّن أن هذا اللّقاء يندرج فى إطار العمل الأكاديمي للبرلمان ويمثّل أيضا فضاء للحوار بين كفاءات الوظيفة التنفيذيّة والنواب المشرّعين بهدف تحقيق التفاعل الإيجابي بين الوظيفتين خدمة للمصلحة العليا للوطن.
من جهته بيّن السيد فخر الدين فضلون، رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة، أهميّة الموضوع المطروح باعتباره يندرج ضمن مسار الإصلاح الشامل للتعليم في تونس، مشيرا إلى الاستشارة الوطنيّة لإصلاح التعليم التي اعتبرها محطّة مهمّة انجزتها تونس. كما أكّد أنّ تطوير منظومتي التعليم التقني والتكوين المهني من شأنهما التأسيس لعمليّة إصلاح مجدية والإسهام في تحقيق الرّخاء الاقتصادي وفتح الآفاق. وأبرز أهميّة حوكمة التعليم لتجاوز عديد الإشكاليات والظواهر لا سيما التسرّب المدرسي والسلوكيات الخطيرة.
من جهتها نوّهت السيدة سلوى العباسي وزيرة التربية بالدّور المحوري لمجلس نواب الشعب على الصعيدين السياسي والاجتماعي، مبرزة أنّ المجلس شريك فعلي للحكومة في تحقيق أهدافها ومطامحها. كما ثمّنت مبادرة تنظيم هذا اليوم الدراسي الذي يجعل من المجلس، بالإضافة إلى دوره التشريعي، منبرا للتفكير وبلورة الحلول. وبيّنت أهميّة طرح مسألة العلاقة بين التعليم والتكوين في هذه المرحلة، ضمن مسار إصلاحي شامل وفي إطار مقاربة مجتمعيّة.
وأشارت الوزيرة إلى تقرير أنجزه مدير إحدى اعداديات التعليم التقني، حول مختلف المشاكل المطروحة في علاقة بهذه المؤسسات على غرار نقص الإطار التربوي، وتضاؤل عدد التلاميذ، بالإضافة إلى إشكال بيداغوجي يتمثّل في شبه غياب لزيارات المتفقدين، وعدم مراجعة البرامج منذ سنوات.
وثمّن السيد لطفي ذياب وزير التشغيل والتكوين المهني مبادرة اللجنة واختيارها للموضوع، معتبرا أنها تأتي خلال مرحلة فارقة خاصة بعد إطلاق رئيس الجمهورية للاستشارة الوطنية تحت عنوان "من أجل نظام جديد للتربية والتعليم".
وأفاد أن الوزارة انطلقت في تحديد وبلورة مخرجات هذه الاستشارة وفي ضبط التصوّرات والأولويات لتطوير قطاع التكوين المهني والارتقاء به كمكوّن من مكوّنات المنظومة الوطنية للموارد البشرية. وبيّن الوزير في هذا الصدد، أن محاور هذه التصوّرات تتمثّل بالخصوص في مراجعة المنظومة التشريعية والترتيبية، الى جانب تثمين التكوين المهني والتشجيع على الالتحاق به، وكذلك ضمان الجودة ونجاعة هذه المنظومة. كما تشمل هذه المحاور تركيز شراكة فاعلة مع قطاع الإنتاج، والتحوّل الرقمي والتكنولوجي وتطوير الخدمات، وتكريس مبدأ التعلّم مدى الحياة، وضمان المساواة وتكافؤ الفرص.
ثم قدّم السيّد أحمد السليمي المدير العام للمرحلة الاعداديّة والتعليم الثانوي بوزارة التربية عرضا عن تطوير منظومتي التعليم التقني والمهني. وعرّف ببعض المفاهيم على غرار التعليم المهني والتعليم التقني والتعليم التكنولوجي، كما قدّم لمحة حول أهمّ متغيرات التعليم التقني والمهني بتونس منذ الاستقلال، مبرزا الوظيفة التأهيليّة للمدرسة ومسار التكوين الأساسي. كما قدّم معطيات إحصائية بخصوص الاعداديات التقنية، حيث أفاد بأنها تعدّ 79 مدرسة تضمّ 12084 تلميذا و813 مدرّسا، وذلك إلى حدود سنة 2024.
ثم استعرض تصوّر الوزارة لتطوير التعليم بالمدارس الإعدادية التقنية ومسالك التكنولوجيا بالتعليم الثانوي الذي تمّ وضعه على ذمّة المجلس الأعلى للتربية لإقراره. كما تطرّق إلى عوامل ضعف التعليم المهني والتقني، ومنها غياب إستراتيجية وسياسة وطنية عامة تصل مخرجات هذا المسلك بالتنمية والتشغيل، الى جانب تأثّره بقدرات المالية العمومية، وعدم مساهمة القطاع الخاص في تمويل التعليم التقني والمهني، إضافة الى ضعف الإقبال عليه، ونمطيّة التخصّصات والمناهج التكوينيّة، والنقص في إطار التدريس المختصّ.
ثمّ قدّم السيّد أمجد محمود، مدير عام تنمية التكوين المهني بوزارة التشغيل والتكوين المهني، عرضا مفّصلا عن مخرجات الاستشارة الوطنيّة للإصلاح تحت عنوان "من أجل نظام جديد للتربية والتعليم " تطرّق خلاله بصورة معمّقة إلى مختلف محاور تصوّرات الوزارة وأولوياتها لتطوير التكوين المهني والارتقاء به.
وقدّم السيد أحمد بالشيخ العربي المدير العام للتجديد الجامعي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي مداخلة أبرز خلالها استعداد الوزارة للتفاعل الإيجابي مع مقترحات لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة ورؤيتها في إطار اصلاح منظومة التعليم العالي . وثمّن سعي مجلس نواب الشعب لإيجاد مقاربة إصلاحية تشاركية مع كل المتدخلين في قطاع التربية والتعليم العالي والتكوين المهني.
كما قدّم مؤشّرات حول تطوّر عدد الطلبة بالجامعات التونسية وتطوّر نسب الاناث مقارنة بنسب الذكور والفجوة التي تميز هذه الاحصائيات. وابرز بالمناسبة تطور تصنيف تونس خلال السنوات الأخيرة وترتيبها من حيث جودة التعليم العالي، مؤكّدا التطور الذي شهدته تونس في البحث العلمي ومجال صناعة المعرفة والتكنولوجيات الرقمية.
وأكّد أن نجاح عدد هام من مؤسسات التعليم العالي واحتلالها مراتب متقدمة وفق تصنيف الوكالات العالمية يأتي نتيجة الجهود المبذولة للارتقاء بالمنظومة مواكبة للتطوّرات التي يشهدها العالم.
كما أشار الى ارتفاع معدل طالبي الشغل مقابل تواصل ارتفاع عدد عروض التكوين الجامعي. واعتبر أنّ مجابهة التحديات الوطنية يتطلّب إعادة صياغة عروض التكوين وفق مناهج علمية، فضلا عن تحسين جودة التكوين ودعم المهارات الوظيفية لخريجي التعليم العالي، مع مواصلة العمل على تحسين التصنيف العالمي للجامعات. وبيّن أن الوزارة بصدد اعداد دليل مرجعي جديد للتأهيل وإعادة تدريب خريجي التعليم العالي من اجل الاندماج في سوق الشغل.
وقدّم السيد فخر الدين فضلون رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة مداخلة تضمّنت مقترح اللجنة حول احداث مسار التأهيل للخدمات التقنية مشيرا الى مجهودات اللجنة وسعيها للمساهمة في بلورة تصور يؤسس لهيكلة جديدة للمنظومة التربوية فضلا عن إرساء رؤية شاملة لإصلاح نظام التربية والتعليم بتونس. واعتبر أنّ المدرسة العمومية تفتقد اليوم لأهمّ وظائفها على اعتبار انها الضامنة للمستقبل المهني والمعرفي ودعا الى مزيد الاهتمام والتركيز على التعليم التقني بدعم انشاء الورشات وأضاف ان اللّجنة اقترحت في السابق ترسيخ تقاليد التعليم التقني وتنمية المهارات الحياتية لمختلف التلاميذ. واعتبر ان مقترح اللجنة منسجم مع التوجهات التربوية الإصلاحية الرامية إلى تمكين التلميذ من فرص أوفر للنجاح والتميز واختيار مسلكه الدراسي وفق مهاراته وميولاته بما يضمن له تكوين متخصص في أحد الفروع العلمية أو التقنية، ليتمكن من مواصلة التعلم بالمرحلة الجامعية أو الالتحاق بالمعاهد العليا للدراسات التكنولوجية ودخول الحياة العملية عن جدارة. وثمن تفاعل وزارة التربية مع المقترح الذي تم تقديمه من قبل اللجنة معتبرا ان الحل يكمن في أهمية احداث سنة سابعة تقني لمجابهة الانقطاع المبكر عن الدراسة وان يتضمن التعليم الاعدادي التقني جملة من المراحل الدراسية تنطلق من مرحلة السابعة اعدادي تقني وصولا الى مرحلة السنة التاسعة اعدادي تقني، فضلا عن أهمية الاشتغال أكثر على تدعيم الاختصاصات من اجل تطوير المنظومة بما يتماشي مع احتياجات سوق الشغل.
وخلال النقاش العام تطرّق النواب الى عدد هام من الصعوبات والمخاطر التي تحف بالمنظومة التعليمية، مستعرضين بعض الاشكاليات التي تواجهها المؤسسات التعليمية والجامعية ببعض الجهات الداخلية. ودعوا الى أهمية التسريع في إيجاد حلول ناجعة لا سيما في ما يخصّ البنية التحتية والعنف المدرسي وبعض المظاهر التي ساهمت في الترفيع من نسب الانقطاع المبكر عن الدّراسة
وتدخل السيد الأنور المرزوقي نائب رئيس مجلس نواب الشعب مشيرا الى أهمية تلافي بعض النقائص خلال الاستعداد الى الامتحانات الوطنية ولا سيما مناظرة البكالوريا.
وثمّن التمشّي الإصلاحي المعتمد من قبل كافة الوزارات المعنية من أجل النهوض بمنظومة التربية و التعليم. مشدّدا على أهمية توخّي مقاربة شمولية في مناهج الإصلاح فضلا عن ترسيخ منظومة التعليم التقني والاخذ بعين الاعتبار للتحوّلات التكنولوجية والرقمية. واكد ضرورة مواكبة منظومة التكوين لحاجيات سوق الشغل تماشيا مع التوجهات الاقتصادية الكبرى.
كما قدّم النواب عددا هاما من المقترحات التي يمكن ان تثري المنظومة الإصلاحية وخاصة المتصلة بمنظومة القيم و جودة التعليم مشدّدين على ضرورة تشريك الخبراء من أجل القيام بالتقييمات اللازمة لتطوير تصنيف تونس في الترتيبات العالمية . وأشاروا في هذا السياق الى عدد من الأرقام والإحصائيات التي تخص الانقطاع المبكر عن الدراسة داعين الى أهمية إرساء لجنة عليا لتدارس وتشخيص الوضعية الحقيقة للمنقطعين وإرساء مقاربة شمولية واستراتيجية بعيدة المدى.
ودعوا الى إرساء مقاربة تشاركية للارتقاء بالتربية والتعليم العالي ومراجعة بعض الاجازات، فضلا عن تغيير مناهج التعليم ودعم إدراج مواد العلوم الإنسانية، لإعادة البناء والانفتاح على الحضارات، واستيعاب التطوّرات الجيو سياسية في العالم. كما أشاروا الى أهمية بعث قنوات إعلامية متخصّصة في التعليم العالي والتربية
كما تطرقوا الى الصعوبات والمشاكل التي تشهدها منظومة التكوين المهني ولا سيما منها صعوبة الادماج للخريجين في سوق الشغل والامكانيات المحدودة للمراكز . وأجمعوا في هذا السياق على ضرورة إيلاء أهمية لمنظومة التكوين المهني بدعم مراكز التكوين في مختلف الجهات مع توفير المكوّنين ومزيد الاهتمام بالمرشدين التطبيقين وتنويع الاختصاصات ، الى جانب تركيز استراتيجية اتصالية ترويجية لهذه المنظومة وملاءمتها مع متطلبات سوق الشغل الوطني والدولي.
واعتبروا أنّ التكوين المهني يحتاج الى خطة وطنية للإصلاح ،باعتبار ان التكوين رافد أساسي من روافد التنمية والنهوض بالاقتصاد.
كما طالب النواب بضرورة معاضدة مجهوداتهم في إطار عملهم الرقابي ولا سيما عملهم الميداني في المؤسسات التربوية وأوساطها.
وفي تعقيبها على استفسارات وملاحظات وتساؤلات النواب ثمنت وزيرة التربية مقترح لجنة التربية المتعلّق بإحداث مسار التأهيل للخدمات التقنية ونقاط الإصلاح التي تضمنها معتبرة انه منطلق مشروع تفكير مشترك لا سيما في النهوض بمنظومة التعليم التقني.
وأكّدت أهمية تضافر الجهود من أجل الارتقاء بمنظومة التكوين المهني ودعم المهارات، مشيرة الى مشروع وزارة التربية بخصوص احداث اقطاب تقنية مهنية في عدد من الجهات بما سيخلق نواة لمنظومة جديدة تنتشل الشباب من البطالة. كما بيّنت أهمية تحديد الرؤية المستقبلية لمنظومة التربية والتعليم والمنزلة التي يجب ان يتبوّأها التعليم ولا سيما أهمية المرور من الاجبار الى الاختيار.
وبخصوص العمل الرقابي لمجلس نواب الشعب ثمّنت الوزيرة المجهودات التي يقوم بها النواب لاسيما من خلال العمل الميداني، مؤكّدة حرصها على مزيد الاهتمام بعمليات التنسيق بين النواب والمسؤولين في الوزارة والمندوبيات لتسهيل عملهم وتفادي الصعوبات. كما أكدت اهمية الحضور التمثيلي للنواب في المجالس الجهوية بما يساهم في تعزيز دورهم الرقابي من خلال تقديم المقترحات البنّاءة.
واثر النقاش العام تدخل وزير التشغيل والتكوين المهني مثمنا مقترح لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة بخصوص التعليم التقني، ومعتبرا ان ذلك لن يكون بمعزل عن البرنامج الإصلاحي للمنظومة التربوية ككل. واعتبر ان هذا اللقاء الثري التشاركي من شانه ان يشكل منطلقا لمقاربة شمولية وتشاركية لمختلف الأطراف سواء من جهة الوظيفة التشريعية او التنفيذية