عقدت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة جلسة يوم الثلاثاء 25 مارس 2025 خصصتها للاستماع إلى وزير الشؤون الاجتماعية بخصوص مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.
وقدّم الوزير في مستهل الجلسة عرضا تطرّق فيه إلى الإطار القانوني المنظّم حاليا لعقود الشغل محددة المدة وعقود المناولة، مبيّنا أنّ المرجعية الدستورية التي ارتكز عليها تعديل احكام مجلة الشغل تتمثل في تكريس مقتضيات الفصل 46 منه والتي تنص على الحق في العمل اللائق وبأجر عادل، وإرساء مبادئ الدولة الاجتماعية الضامنة لكرامة مواطنيها وحقوقهم دون تمييز.
وأوضح أنّ إقرار أحكام مجلة الشغل لمرونة واسعة في مجال عقود الشغل معينة المدة، أدّى الى الاستخدام المفرط لهذه العقود في مواطن الشغل القارة واستغلال فترات التجربة في غير الأغراض التي أبيحت من أجلها وتحويلها الى صورة من صور العمل غير المستقر وحرمان الأجراء من الامتيازات التي يقرها القانون المنطبق على المؤسسات المستفيدة. كما أشار الى غياب إطار تشريعي واضح يضبط مفهوم المناولة وينظمها عند الاقتضاء مما أدى الى ارتفاع عدد هذه الشركات وأصبح يمثل تهديدا لاستقرار الوضعية المهنية والاجتماعية للأجير.
وأكّد وزير الشؤون الاجتماعية، أن المشروع المعروض جاء تنفيذا لقرار رئيس الجمهورية بتاريخ 06 مارس 2024 بإلغاء المناولة ومنع كل أشكال التحايل على القانون . وبيّن أنه كان ثمرة مسار تشاركي معمق تم الاعتماد فيه على نتائج عدد من الدراسات والتوصيات في المجال. وأضاف أنّه يهدف الى منع اللجوء إلى العقود المحدودة في الزمن بإقرار أن الأصل في عقود الشغل أن تبرم لمدة غير محددة إلا في ثلاث حالات استثنائية حصرها النص في القيام بأعمال اقتضتها زيادة غير عادية في حجم العمل او التعويض الوقتي لأجير قار او القيام بأعمال موسمية لا يمكن حسب العرف او بحكم طبيعتها اللجوء فيها الى عقود غير محددة . كما ينص المشروع على منع مناولة اليد العاملة بصورة قطعية واقتراح احكام تتعلق بتنظيم مؤسسات إسداء الخدمات والقيام بالأشغال.
وخلال النقاش تباينت مواقف النواب حيث رأى البعض أن مشروع القانون نص ثوري يمكّن من تجاوز وضعيات قانونية وواقعية غير سليمة، مثمّنين ما جاءت به أحكامه في علاقة بالقطع نهائيا مع أشكال التشغيل الهش على غرار مناولة اليد العاملة التي تحولت إلى شكل من أشكال كراء خدمة الآدمي وهو تمظهر جديد لفكرة الاستعباد لم يعد من المقبول أن تتواصل في بلادنا التي كانت السباقة على المستوى العالمي في إلغاء الرق، معتبرين ان هذا المشروع يتناغم مع رؤية رئيس الجمهورية في إرساء مقومات الدولة الاجتماعية، وفي المقابل اعتبر عدد آخر من النواب أن النص غلّب الجانب الاجتماعي على حساب الجانب الاقتصادي، ملاحظين في هذا الصدد خلو شرح الأسباب من المعطيات الإحصائية وعدم إرفاق مشروع القانون بدراسة جدوى من شأنها إنارة النواب وتمكينهم من تقييم المشروع بموضوعية، لاسيما من حيث آثاره المحتملة على تنافسية المؤسّسات في محيط اقتصادي وطني ودولي صعب.
واعتبر عدد من النواب أن العقود محددة المدة معمول بها في أغلب الدول المتقدمة وأن المشكل لا يكمن في آلية المناولة في حد ذاتها بل في وجود فراغ تشريعي وتذبذب فقهي وقضائي في مدى شرعية هذه المؤسسات مما ترك المجال للتعسف في استعمالها. وبيّنوا أنّ الحلّ الأسلم يتمثّل في تنظيم المناولة وتقنينها بدقة عوض المرور من الفراغ القانوني نحو التجريم مباشرة.
واستأثر الفصل 30 جديد من مجلة الشغل بحيز هام من تدخلات عدد من الحاضرين الذين اعتبروا صياغته غامضة، وقد تصبح بدورها مدخلا للتحايل على أحكام منع المناولة المنصوص عليها بالفصلين 28 جديد و30 مكرر، مؤكدين ضرورة توضيح المقصود بعبارات "خدمات" و"أشغال" بكل دقة.
كما تساءل البعض عن كيفية تطبيق الفصل 08 من المشروع بفقرتيه بخصوص ترسيم أعوان المناولة واحتساب الأقدمية في حال قدّم الأجير خدماته لأكثر من مؤسسة أو إدارة مستفيدة.
وفي نفس السياق، تمت الدعوة إلى إعادة صياغة بعض الفصول غير الواضحة على غرار الفصل 9 المتعلق بالآثار الرجعية لمشروع القانون.
وفي تفاعله مع تدخلات النواب بيّن الوزير أن حالات اللجوء للعقود محددة المدة ليست جديدة في مجلة الشغل كالأعمال الموسمية أو التي تقتضيها زيادة غير عادية في حجم العمل، لكن جوهر التعديل المقترح يكمن في إقرار مبدأ مهم وهو أن عقد الشغل يبرم لمدة غير محددة وجعل التحديد في الزمن استثناء منحصرا في حالات مضبوطة تفرضها طبيعة العمل وليس إرادة الأطراف.
كما أوضح أن تقنين المناولة كان خيارا مطروحا عند تنقيح مجلة الشغل سنة 1996 وهو من أنصاف الحلول التي لا تستجيب لمتطلبات القطع النهائي مع المتاجرة باليد العاملة. وبيّن أن تجريم المناولة ينسحب فقط على مناولة اليد العاملة دون مناولة العمل أو الخدمات والأشغال موضوع الفصل 30 جديد من مجلة الشغل، والتي تقتضي بقاء الأجير تابعا قانونيا وفعليا لمؤجره الأصلي الذي يملك أدوات العمل والمعارف اللازمة لتنفيذه، على عكس مناولة اليد العاملة التي تفرض وجود مؤجر قانوني هو المؤسسة المناولة ومؤجر فعلي هو المؤسسة المستفيدة، مضيفا بأن الفصل قد نص بوضوح على منع أن يكون العمال المستخدمون تحت إدارة ومراقبة المؤسسة المستفيدة .
وأضاف أن مجال انطباق هذا الفصل يتمثل فقط في تقديم خدمات وأشغال تتطلب "معارف مهنية أو تخصصا فنيا" لفائدة المؤسسة المستفيدة على أن لا تتعلق بالنشاط الأساسي والدائم للمؤسسة.
كما بيّن أن المشروع المعروض يتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل التي تنطبق على القطاع الخاص وسيتم إصدار عدد من النصوص الترتيبية بغاية ترسيم أعوان المناولة العاملين بالقطاع العام الذين يخضعون لأنظمة أساسية خاصة ولا تنطبق عليهم مجلة الشغل سوى بصفة احتياطية.
ومن جهة أخرى، تم التأكيد على أن هذا المشروع قد جاء لتكريس مقاربة تقوم على التوفيق بين ضرورة حماية الحقوق الأساسية للعمال ومتطلّبات حفز الاستثمار وتنشيط سوق الشغل وتلبية حاجيات المؤسسة الاقتصادية، من خلال العديد من الآليات ومنها إمكانية اللجوء، في إطار الاستثناء، إلى العقود محددة المدة في صورة الزيادة غير العادية في حجم الخدمات أو الأشغال.
وفي ختام الجلسة أكد رئيس اللجنة أنه سيتم التعمق في دراسة المشروع من جميع جوانبه في إطار التكامل مع الوظيفة التنفيذية، وبالاستئناس بآراء الخبراء ووجهات نظر مختلف الأطراف ذات العلاقة، بغاية تجويد النص المقترح حتى يكون في مستوى الانتظارات، وبما يضمن في الآن ذاته مصالح الأجير والمستأجر وديمومة المؤسسة.