مجلس نواب الشعب ينظّم يوما دراسيا حول مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنيّة

نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب اليوم الإثنين 15 ديسمبر 2025 يوما دراسيا حول "مقترح قانون يتعلق بالفنان والمهن الفنيّة. عدد 055/2023" أشرف عليه العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب وحضره نائبا رئيس المجلس السيدة سوسن المبروك والسيد الأنور المرزوقي، ورئيس لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية السيد باديس بلحاج علي، وعدد هام من ممثلي النقابات الفنية والموسيقية، والمهن المجاورة والموسيقيين والفنّانين.
وبيّن رئيس مجلس نواب الشعب في افتتاح الأشغال أهمية تنظيم هذا اليوم الدراسي البرلماني في إطار نشاط الاكاديمية البرلمانية التي تمثّل فضاء حرّا تلتقي فيه الكفاءات بمناسبة عرض مشاريع القوانين الأساسية ومقترحات القوانين للاستفادة من خبرة أهل الاختصاص من الوزارات والمنظمات والنقابات حتى يتمكّن النائب من أن يكون على دراية تامة بالمبادرات التشريعية وملمّا بجميع جوانبها عند المصادقة عليها خلال الجلسات العامة. وأبرز أهمية استضافة أهل الاختصاص لتقديم مقترحاتهم وتصوّراتهم بخصوص مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية، مؤكّدا في هذا الصدد أنّ الثقافة هي التي تخلق الشعوب ولها دور أساسي في صقل الفكر المجتمعي.وجدّد رئيس المجلس بالمناسبة التعبير عن الفخر والاعتزاز بما يزخر به مجلس نواب الشعب من كفاءات عالية تمتاز بالحرفية وتؤازر عمل المجلس في كل تجلياته بكل حيادية ومسؤولية.
من جهته أكّد السيد باديس بلحاج علي، رئيس لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية في كلمته أهمية مقترح هذا القانون بالنسبة للمبدعين والفنانين باعتبارهم صناع الذوق الوطني والوعي الجماعي. وبيّن أنّ تطوّر الفن يُعدّ من مؤشرات تقدّم الشعوب ورقيها، وهو ما يُحتّم تمتيعهم بمنظومة تشريعية متكاملة تحمي حقوقهم الإبداعية والإنتاجية، وتضمن لهم مكانة لائقة في المجتمع.
وأضاف أنّ مقترح القانون يمثّل اعترافا برسالة الفنّان وبأهمية دوره في تنمية الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من خلال دعم حرية الإبداع وتكريس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات، كما يهدف إلى ضبط الوضعية القانونية للفنان بما يكفل له المكانة التي يستحقها في المجتمع من جهة، وينظّم المهن الفنية ويوسع قاعدة المشاركة في الفنون من جهة أخرى لتمكين منتسبيها من وضع قانوني يؤطّر مجالات عملهم ويضمن العناية بأوضاعهم المادية والمهنية والاجتماعية.
كما بيّن رئيس اللجنة أنّ مقترح القانون يندرج في إطار تطبيق مقتضيات الفصلين 46 و49 من الدستور بما يكرس حرية الابداع ويشجع الثقافة الوطنية، ويضمن حقوق الفنّانين وممارسي الأنشطة الفنية في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل. وأضاف أنه يستند أيضا على مرجعية فكرية ترتكز على المبادئ المضمّنة في عدد من المواثيق والآليات القانونية الدولية التي انخرطت فيها تونس.
وأشار الى تشتت النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم المهن الفنية التي يرجع البعض منها إلى أكثر من خمسين سنة على غرار القانون المؤرخ في 9 ماي 1969 المتعلق بإحداث بطاقة مهنية للاحتراف الفني الذي لم يعد مواكبا للتطورات، مضيفا أن تقييم نظام الضمان الاجتماعي للفنانين والمثقفين والمبدعين بيّن محدوديته في توفير التغطية الاجتماعية الملائمة لمحترفي المهن الفنية.
واستعرض رئيس اللجنة المراحل والتطوّرات التي مرّت المبادرة التشريعية المتعلقة بالفنان والمهن الفنية منذ 2015 على المستويين الحكومي والبرلماني وما تم تنظيمه من حوارات ومشاورات وورشات بشأنه بمشاركة الخبراء والهيئات والمنظمات والجمعيات المعنية وأهل المهنة. وأشار الى أنّه تمّ بتاريخ 09 ديسمبر 2023 تقديم مقترح القانون الذي تم تبنيه من قبل 133 نائبا، ويُعتبر محلّ توافق من قبل جميع الفنانين والهياكل النقابية المختصة والخبراء في التشريعات الثقافية، بعد أن تمّ التحاور في شأنه والخوض في جميع النقاط الخلافية بين مختلف الأطراف المتداخلة.
وأضاف أنّ اللجنة عملت على دراسة مقترح القانون دراسة مستفيضة ارتكزت على مقاربة تشاركية من خلال الانفتاح على مختلف الرؤى والتصوّرات بما ترجم وعيها بأهمية الفن واعترافها بالرسالة النبيلة للفنان وبأهمية دوره. وبيّن أنّها استمعت في شأنه على امتداد دورتين إلى جهة المبادرة والى سلطة الاشراف في مناسبتين، والى خبراء مختصين في التشريعات الثقافية، والى ممثلين عن مختلف الهياكل المهنية الممثلة للقطاع الثقافي. كما أكّد أنه تمّ التداول على مدى أربع جلسات حول فصول مقترح القانون، وتعديله على ضوء الآراء المقدّمة من الجهات التي تم الاستماع إليها، وصادقت عليه اللجنة في صيغته المعدّلة.
واعتبر السيد رشاد الشلي، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للتجارة والصناعة في مداخلته أن مقترح القانون يكتسي أهمية بالغة، باعتباره يهم المبدعين و يعكس وعي الارادة السياسية بدور الثقافة والفن في بناء المجتمع وتعزيز الهوية الوطنية. وبيّن أنّ الفنّان في تونس يضطلع بدور محوري في التعبير عن الهوية الثقافية والذاكرة الجماعية، ورسائل الحرية والإبداع، معتبرا أنّه ظلّ يعاني من تفكّك الإطار القانوني الذي يضبط حقوقه وواجباته ووضعه الاجتماعي.
وبيّن أن المقترح يعتبر الفنّان كل شخص يمارس نشاطا إبداعيا أو فنيا بصفة منتظمة أو متقطعة، سواء في مجالات الموسيقى، أو المسرح، أو السينما، أو الفنون التشكيلية أو الرقص، مؤكّدا أنّ هذا التعريف يكرّس الاعتراف بالفن كمهنة وليس كهواية. كما تطرّق الى أهداف مقترح القانون وما اقرّه من إيجابيات تتمثّل خاصة في إحداث بطاقة مهنية للفنان تثبت صفته وتضمن حقوقه، مع تمكين الفنّان من الانخراط في نظام التغطية الاجتماعية والاعتراف بحقوقه الأدبية والمادية وتنظيم العقود الفنية ووضع حد للعقود الشفوية وحمايته من العمل غير المنظم والوساطة غير القانونية.
واستعرض الإشكاليات والتحديات التي يعاني منها القطاع الفني والمتعلقة بالتغطية الاجتماعية وعدم وضوح نسب المساهمات ومصادر التمويل، وتحميل الفنّان أعباء مالية لا تتماشى مع طبيعة دخله غير المنتظم وتجاهل واقعه الاقتصادي الهش. وتطرّق الى المسائل المتعلّقة بالبطاقة المهنية المنصوص عليها بمقترح القانون وخاصة ما يتصل منها بغموض معايير السحب التي قد تستخدم بالتالي كأداة للحد من حرية التعبير في بعض الحالات. وأشار الى هشاشة وضعية الفنان امام الاستغلال في ظل غياب نصوص ردعية ضد عدم خلاص المستحقات وكذلك ضعف ضمان حقوق الملكية الفكرية. واعتبر أنّ تطوير وضعية الفنان يتطلب مراجعة بعض فصول مقترح القانون وتحيينها وتبسيط الإجراءات الإدارية وتعزيز دور الهياكل المهنية والنقابات.
ثم قدّمت السيدة نورهان بوزيان، ممثّلة النقابة الأساسية لمهن الفنون الدرامية، مداخلة اعتبرت خلالها أنّ مقترح قانون الفنان والمهن الفنية، يشكل نقلة من منطق الدولة الراعية التي تمنح الإعانات للمثقف المهمش إلى منطق الدولة المستثمرة التي تعترف بالفن كمهنة، وبالثقافة كصناعة، وبالفنان كفاعل اقتصادي له كرامة يخلق الثروة ويستحق الحماية الاجتماعية. وبيّنت أنّه يمثّل مرجعا موحّدا يجمع شتات المهن الفنية، ويضبط المفاهيم بدقة، ويحدد المبادئ الأساسية لتنظيم المهن الفنية.
وتناولت في مداخلتها محاور أساسية تتعلّق أولها بشرعية المسار ومنهجية البناء التشاركي، حيث اعتبرت في هذا الاطار ان مقترح القانون يحظى بتوافق واجماع واسع لمختلف القطاعات الفنية وهو ثمرة مقاربة تشاركية حقيقية. كما تناولت في المحور الثاني جدلية التنظيم والحرية ولا سيما المراوحة بين حماية حرية الابداع التي يضمنها الدستور وتنظيم الممارسة المهنية كنشاط اقتصادي. وأشارت الى إشكالية البطاقة المهنية التي اعتبرتها تنظيما لممارسة نشاط اقتصادي محترف، وجواز عبور نحو الحقوق التي تمنح الأولوية في التشغيل، والانتفاع بالضمان الاجتماعي. وأشارت الى أهمية العقد الفني واعتبرت أنه يكرس الشفافية ويوثّق الحقوق.
وتطرقت في المحور الثالث الى البعد الاجتماعي الذي أقرّ حلولا مبتكرة لتمويل منظومة الضمان الاجتماعي الخاصة بمحترفي المهن الفنية، سيما إرساء آلية التمويل الذاتي الذكية المعتمدة على تفعيل طابع المساهمة الفنية، وتخصيص نسبة من مداخيل معلوم التشجيع على الإبداع للمساهمة في تمويل منظومة التغطية الاجتماعية لمحترفي المهن الفنية، فضلا عن المساهمة التضامنية المتأتية من تنظيم وضعية الموظفين .
وتطرقت في سياق أخر الى مزايا مقترح القانون في حماية التقنين والإداريين في المجال الفني، والى أهمية التصنيف العادل الذي يميّز بين الفنان المحترف والهاوي، معتبرة أن هذا التصنيف ضروري لتوجيه الدعم العمومي لمستحقيه، ولمنع المنافسة غير الشريفة.
وتناولت في المحور الرابع مسألة السيادة الثقافية بما في ذلك نسبة البث وحماية السوق الوطنية، واعتبرت أنه لا يمكن الحديث عن صناعة ثقافية وطنية قوية، إذا كانت المنابر الإعلامية والقنوات التلفزية تستهلك المنتوج الأجنبي على حساب الإبداع المحلّي. ودعت في هذا الاطار الى أهمية حماية السوق الفنية الداخلية.
كما تطرقت في المحور الخامس الى مسألة " النسبة الفنية" التي تتمثّل في الزامية تخصيص نسبة من ميزانيات تشييد المباني العمومية الكبرى لاقتناء أو إنجاز أعمال فنية وإبداعية تونسية لتزيين الفضاءات. وبيّنت أنّ هذا الإجراء يخلق سوقا ضخمة ومستدامة للفنّانين التشكيليين والنّحاتين ويكرس ديمقراطية الجمال والخروج بالفن من الأروقة المغلقة والنخبوية الى الفضاءات العامة.
وأشارت في الختام الى البعد الاقتصادي لمقترح القانون الذي سيحمي الفنّان ويضمن حقوقه الاقتصادية ويجعل من القطاع قاطرة للتنمية المستدامة والتسويق لصورة تونس في الأسواق العالمية.
وقدّم السيد جمال العروي ممثل النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي الفنون الدرامية مداخلة تطرّق خلالها الى بطاقة الاحتراف الفنّي، وشروط ومعايير منحها وسحبها. وشدّد على أهمية التنصيص الجيّد على تعريف الفنان، مشيرا الى ضرورة تفادي الخلط بين الفنّان المحترف والعابر والعرضي. واعتبر أن هذا الخلط سيسمح باختراق القطاع الفنّي من طرف مهنيين في قطاعات أخرى والاستفادة بنفس امتيازات الدعم العمومي. وأكّد تناقض ذلك مع كل المواثيق والقوانين الوطنية والدولية للشغل التي تمنع الجمع بين مهنتين والاستفادة في نفس الوقت من امتيازات المهنة الأصلية والمهنة العرضية. ودعا الى مزيد تدقيق صفة الفنّان المحترف المؤهّل دون سواه لحمل بطاقة الاحتراف المهني التي تكون شرطا للحصول على الدعم العمومي. كما اقترح منح بطاقة انتماء شرفية للقطاع الفنّي تسمح للوافدين من مهن وقطاعات أخرى بممارسة النّشاط الفني عرضيا ودون التمتع بالامتيازات التي تمنح للفنان المحترف. كما طالب بأن تمنح بطاقة الاحتراف حصريا للفنّان المتفرغ الذي يمتهن إحدى المهن الفنية المنصوص عليها وتشكل مصدرا رئيسيا لرزقه.
ومن جهته بيّن السيد ماهر الهمامي رئيس النقابة التونسية للمهن الموسيقية والمهن المجاورة في مداخلته أنّ تونس أنجبت عمالقة في الموسيقى والتمثيل والإبداع، داعيا الى ضرورة سنّ قانون شامل يحمي الفنان وينظم المهن الفنية. وأشار الى الصّعوبات والاشكالات التي يعيشها القطاع خاصة الأوضاع الاجتماعية للعديد من الموسيقيين جرّاء غياب منظومة حماية اجتماعية، مبرزا الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتداعياتها على الفنان.
واعتبر أنّ مقترح القانون المعروض على أنظار مجلس نواب الشعب يمثّل نقطة مفصلية في التاريخ الثقافي للبلاد، لا يقتصر على حماية البعد الاجتماعي للفنان، بل ينظّم حقوق الملكية والحقوق المجاورة ويعيد للمبدع التونسي حقه.
وتطرّق الى مزايا هذه المبادرة التشريعية على مختلف الأصعدة لا سيما دعم الحماية الاجتماعية وتمويل منظومة الضمان الاجتماعي لمحترفي المهن الفنية، مبيّنا أنه مشروع تشاركي وثمرة جهد جماعي ينسجم مع متطلّبات أهل القطاع بمختلف اختصاصاتهم ومشاربهم وتجاربهم. وأضاف أنّه يمثّل الموسيقى والتمثيل والرقص والإخراج والعزف والتصميم وكل من ينتمي إلى العائلة الفنية. كما أكّد أنّ ممثلي مختلف المهن الفنية سيعملون مع كل الهياكل وخصوصا الوزارات والمؤسسات المعنية لتطبيقه وتحويله إلى واقع ملموس.
وأكّد السيد وسام غرس الله، رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين، في مداخلته أنّ الإشكال الجوهري يتمثل في كيفية تنظيم الممارسة الفنية دون المساس بحرية الإبداع. وأفاد أن الفنان في تونس يعاني هشاشة بنيوية سببها غياب الاعتراف المهني الفعلي، رغم ما يحظى به من احتفاء رمزي. وأوضح أن هذه الهشاشة تتجلى بشكل أوضح في قطاع الفنون التشكيلية نظرا لطبيعة الإنتاج الذاتي وضيق السوق. وبيّن أن مقترح القانون يمثل ثمرة نضال مهني طويل وفرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للفنان، خاصة من خلال الاعتراف بالفنان المحترف، وتنظيم العلاقة التعاقدية، وإقرار الحماية الاجتماعية، وإدماج الفن في الفضاء العام.
وبيّن في المقابل أن نجاح هذه المكاسب يظل رهين فلسفة الأوامر التطبيقية، ولا سيما ما يتعلق بالبطاقة المهنية، التي قد تتحوّل إلى أداة إقصاء إذا لم تُنظم بشكل تشاركي وعادل. وأكد في ختام مداخلته ضرورة مراعاة خصوصيات الفنون على اختلافها، مع ضمان حماية صريحة لحرية الإبداع.
وبيّن السيد مراد بالشيخ، عضو تعاونية الفنانين والمبدعين والتقنيين في المجال الثقافي، أن النص التشريعي هو منتوج جماعي نابع من قناعات مشتركة، وجاء نتيجة تأليف القراءات المختلفة والتقريب بين وجهات النظر. وأفاد بأنّ البطاقة المهنية تمثّل أداة أساسية لتعزيز الثقة في كفاءة العاملين في الميدان، كما تمكّن من تأمين حاملها مهنيًا واجتماعيًا. وأوضح أنّ النص متكامل ويستجيب لمختلف مكوّنات المجال السمعي البصري، مع الإشارة إلى أنّ بعض التفاصيل ستُضبط عبر الأوامر الترتيبية. كما بيّن أنّ مقترح هذا القانون هو وليد تجارب متراكمة، ويضطلع بدور محوري في معالجة عديد الوضعيات الاجتماعية، خاصة وضعية المتقاعدين، ولا سيما فيما يتعلق بالتغطية الاجتماعية. وأضاف أنّ النص يقرّ آليات تمويل مستمدة من داخل القطاع نفسه، مبرزًا دور تعاونية الفنانين في معالجة الإشكاليات الناتجة عن الفراغ التشريعي، وداعيا إلى ضمان مواصلة اضطلاعها بدورها في دعم الفنانين.
كما شهد هذا اليوم الدراسي مداخلات ثلّة من الضيوف الفنانين من مختلف الاختصاصات. وأعرب عدد منهم عن أملهم في أن يرى مقترح القانون النور، باعتبار موضوعه محلّ اتفاق واسع بين الفنانين. واعتبروا أن المصادقة عليه تمثل نقطة تحوّل تاريخية للمجال الفني، مع إشارة العديد منهم الى ضرورة تجويده من حيث الصياغة لا سيما القانونية، كما اشاروا الى عديد الوضعيات التي لم ينظمها مقترح القانون.
وأكّد الضيوف وجوب الارتقاء بالفكر الجمعي، وشدّد البعض على أن ممارسة الفن ليست حكرًا على حاملي بطاقة الاحتراف، محذّرين من غياب آليات واضحة تضبط مقاييس الحصول عليها بما يحول دون أن تكون حاجزا أمام الإبداع إذا أُسيء تطبيقها، مع الاشارة إلى ما اعتبروه تغييبا للموهبة وإقصاء لفئة واسعة من الهواة الموهوبين.
وبين الضيوف أهمية الشراكة بين وزارة الإشراف والفنانين، وضرورة رسم سياسة ثقافية واضحة تساهم في بناء الوعي الجمعي، مشيرين إلى ضعف التواصل بين الفنانين وهياكل الدولة. كما أثاروا مسألة الاقتطاعات، داعين إلى ترشيد استغلال هذه الموارد المالية لحلحلة إشكاليات الدعم وتحسين أوضاع مزاولي المهن الفنية، مع التساؤل حول مآل العديد منها.
واقترح بعض الضيوف إحداث عمادة للفنانين كهيكل حرّ يدافع عنهم ويعالج الإشكاليات المتراكمة، مؤكّدين صعوبة واقع القطاع، ومشدّدين على حق الفنانين في العمل بكرامة وحرية، كما أشاروا الى أهمية التواصل المستمر مع البرلمان. ودعوا إلى ضرورة تسريع تقنين تنظيم القطاع بعد سنوات طويلة من الانتظار، خاصة في ظل هشاشة القطاعات الفنية وفي مقدّمتها القطاع المسرحي.
كما تمّ التنبيه إلى غياب مجال السينما عن نص مقترح القانون، مع التساؤل حول أسباب عدم اعتماد مبادرة وزارة الشؤون الثقافية أو اتخاذها كمرجع، والاشارة الى الوضعية الصعبة التي تعيشها السينما التونسية واستفحال ظاهرة إغلاق قاعات العرض.
وأشار الضيوف إلى وجود غموض ولبس في عدد من الفصول واستعمال بعض العبارات الفضفاضة والتعريفات غير الدقيقة للمصطلحات، وقدّموا ملاحظاتهم بشأنها. وشدّدوا على ضرورة التنصيص على الطابع الإلزامي لحماية الجانب الاجتماعي للفنانين، مشيرين إلى تغييب هياكل الإنتاج من نص المقترح، مثل شركات الإنتاج والفضاءات الخاصة، معتبرين ذلك خللًا جوهريًا.
وفي السياق ذاته، أبرز الضيوف غياب سياسة ثقافية واضحة تدفع الاستثمار في المجال، و مواجهة الإشكاليات التي يواجهها المنتجون الذين ينجزون أعمالهم دون دعم. واعتبروا أنّ الأرضية الحالية غير مهيّأة للاستثمار الثقافي، رغم أن المجال الفني ثري وقادر على خلق الثروة إذا توفّر له المناخ المناسب، بعيدًا عن منطق التعويل الحصري على الدعم العمومي.
وأبرز النواب من جهتهم، الدور التوعوي للفنان من خلال عمله الإبداعي وتأثيره في الناشئة، بما يبرز أهمية البعد الأخلاقي والإيتيقي في ممارسة الفن، مؤكّدين أن الثورة التشريعية يجب أن تترافق مع ثورة ثقافية حقيقية.
وأعربوا عن مساندتهم لما أبداه الضيوف من مشاغل وإشكاليات، مؤكدين أن المرحلة الحالية تضع الجميع بين إكراهات الإجراءات القانونية ومطالب الفنانين، وهو ما يستوجب تفاعلا إيجابيا يقوم على تقريب وجهات النظر.
كما أبرزوا انفتاحهم على المقترحات وأخذها بعين الاعتبار لتجويد النص وتسريع عرضه على الجلسة العامة.
وبيّنوا من جهة أخرى أنّ تأخير المصادقة على مقترح القانون يعني استمرار الهشاشة التي يعيشها الفنانون، في وقت يجب فيه أن يواكب التشريع تحولات العصر. وأشاروا كذلك إلى وجود عديد الثغرات القانونية التي تمس مختلف القطاعات الفنية، على غرار الفنون التشكيلية والكتاب والرقص وغيرها، مما يستلزم معالجة شاملة ومتوازنة تضمن حقوق جميع المبدعين وتكريس حرية الإبداع.

الملفات المرفقة :

مقالات أخرى