وخُصّصت الجلسة العامة المنعقدة صباح اليوم السبت 22 نوفمبر 2025 لمناقشة مهمة الشؤون الاجتماعية من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، وذلك بحضور السيّد عصام لحمر وزير الشؤون الاجتماعية والوفد المرافق له.
وأكّد العميد إبراهيم بودربالة في مستهل الجلسة أنّ الوظيفة التشريعية تشرع في نقاش مهمة الشؤون الاجتماعية انطلاقا من الخيارات الاجتماعية التي تمّ انتهاجها ما بعد 25 جويلية 2021 بكلّ شجاعة وبصفة جليّة وواضحة، والتي يتقاسم الجميع مسؤولية تجسيدها على أرض الواقع بما يُحقّق تطلعات انتظارات جميع التونسيات والتونسيين بمختلف ربوع البلاد.
وأفاد أنّ اهتمام أعلى هرم السلطة بقطاعات حيوية مثل الصحّة والنقل والتعليم ومكافحة الفساد، فضلا عن إثارة ملفات كثيرة لطالما كانت راكدة، على غرار القضاء على كلّ أشكال التشغيل الهشّ والاحاطة بالفئات المفقّرة والمحرومة لعقود من الزمن، كلّها علامات ومحطات فارقة في هذا المسار الذي يرنو إلى الكرامة والعزّة والنماء.
وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس مجلس نواب الشعب أنّّ المبادئ الدستورية التي تكفل الحقوق الأساسية للمواطن في العيش الكريم والعمل اللائق والصحة والتعليم والبيئة النقيّة، فضلا عن الخيارات الوطنية القائمة على تكريس مبادئ التعويل على الذات وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف وتكافؤ الفرص بين مختلف الفئات والجهات، كلّها تعدّ منطلقا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، تلك السياسات التي ترمي إلى بناء اقتصاد وطني قادر على الصمود أمام الصعوبات والمتغيّرات المتسارعة من جهة، ويرتكز على أسس جديدة تُحقّق التوازن بين العدالة الاجتماعية والنموّ الاقتصادي، من جهة أخرى.
وأكّد أنّ هذه السياسات تعتمد بالخصوص على جملة من الأولويات الأساسية منها خاصّة المحافظة على القدرة الشرائية لاسيما للأسر الفقيرة ومحدودة الدخل بما يُعزز مقومات العدالة الاجتماعية وبما يؤدّي إلى تحسين مؤشرات الإنتاج في عدد من القطاعات الحيويّة ويسهم في الاستعادة التدريجية للتوازنات المالية وبلوغ الاستدامة المالية والاجتماعية التي تضمن تحقيق التوازن بين الحاجة إلى الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تراعي الإكراهات والرهانات المطروحة، وبين المحافظة على مكاسب الحماية الاجتماعية خاصة للفئات الهشة.
وشدّد على أنّ مواجهة هذه التحديات والرهانات تتطلب الانطلاق في الإصلاحات الضرورية على مختلف الأصعدة بما في ذلك التنظيمية والمؤسساتية والتشريعية، وتستدعي تعميق النظر في مقتضيات إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي التي أضحت تحتاج إلى إصلاح مدروس وعاجل لضمان استدامتها وتغطيتها الشاملة لمختلف الشرائح الاجتماعية. كما بيّن أنّ مواجهة جلّ التحديات الاجتماعية ومعالجة المشكلات الاقتصادية والتنموية في آن واحد، لا يمكن أن تكون فاعلة وناجعة إلا من خلال مقاربة شاملة ومتكاملة وعبر إصلاحات عميقة قادرة على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والرفاه الاجتماعي المنشود.
ثم تولّت كلّ من لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بمجلس نواب الشعب ولجنة الخدمات والتنمية الاجتماعية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم تقديم التقرير الذي تمّ إعداده من طرفهما حول مهمة الشؤون الاجتماعية من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026.
وتمّ إثر ذلك الشروع في النّقاش العام في جزئه الأوّل المتعلّق بمداخلات أعضاء مجلس نواب الشعب، برئاسة العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب وفي جزئه الثاني المتعلق بمداخلات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم برئاسة السيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
وتناول النقاش المواضيع التالية:
وبيّن وزير الشؤون الاجتماعية، خلال تفاعله مع مداخلات النواب، أنّ الميزانية المخصّصة لوزارته لا تتجاوز 5.3% من ميزانية الدولة على الرغم من اتّساع مجالات تدخلها وحجم المسؤوليات المحمولة عليها. وأكد أنّ الوزارة عملت خلال الفترة الأخيرة على تعزيز موارد البرامج الاجتماعية، حيث تمّ الترفيع في الاعتمادات المخصّصة لبرنامج الأمان الاجتماعي الذي أصبح يُؤسّس لمقاربة شاملة للعدالة الاجتماعية، موجّهة إلى كلّ من يستحق دعما ظرفيًا أو دائمًا، مع مراجعة دقيقة لقائمة المستفيدين لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.
وفي سياق دعم الفئات الهشّة، أوضح الوزير أنّ التحويلات المالية الموجهة للعائلات المعوزة ومحدودة الدخل شهدت زيادة تدريجية مهمة، إذ ارتفعت من 180 دينار إلى 280 دينار خلال هذه السنة، وهو إجراء مكّن من تحسين مستوى العيش لهذه الفئات رغم تأثيره على الميزانية العامة للوزارة. كما بلغت كلفة المساعدات المدرسية 64 مليون دينار خلال السنة الجارية، وانتفع بها 600 ألف طفل مقابل 540 ألفًا خلال السنة الماضية، بما يعكس توسّع دائرة التغطية وتطوير آليات المساندة.
ولتكريس النجاعة وترشيد النفقات، كشف الوزير عصام لحمر عن توجه الوزارة نحو إرساء منظومة معلوماتية تقوم على الربط بين قواعد بيانات الصحة، والمعرّف الوطني، والمعرّف الاجتماعي، بما يسمح بمراقبة أدقّ لأوضاع المنتفعين بالتغطية الاجتماعية والحدّ من التجاوزات والتداخلات.
أما في ملف الإدماج الكلّي لذوي الإعاقة، فأفاد الوزير بأنّ التغيير الحقيقي يقتضي تقليص عدد المراكز المختصّة وتعزيز الإدماج داخل المؤسسات التربوية. وقد تمّ تكوين 250 "مرافقًا دامجًا" لمرافقة التلاميذ ذوي الإعاقة، مع العمل على ضبط صفة قانونية رسمية لهذا المرافق تمنحه صلاحية التواصل المباشر مع الإطار التربوي. كما تمّ إصدار بطاقة إعاقة جديدة تحمل شفرة رقمية سيتمّ توزيعها تزامنًا مع اليوم العالمي للإعاقة.
وفي الإطار ذاته، أعلن الوزير عن توجّه الوزارة لإحداث صندوق خاص بذوي الإعاقة يكون المصدر الأساسي لمنحة خصوصية تُسند لحاملي بطاقة الإعاقة، خاصة أنّ التشريع الحالي لا يأخذ عددهم داخل الأسرة بعين الاعتبار.
وفي مجال الرقمنة، أكد الانطلاق قريبًا في العمل ببطاقة "لاباس" بعد حلّ الإشكاليات التقنية وتوفير التمويلات اللازمة، إلى جانب إعداد مشروع أمر ينظم الانتفاع بالتحويلات الاجتماعية الإلكترونية في ظل صعوبات نظام الفوترة الإلكتروني.
أما على مستوى الإصلاحات الهيكلية، فقد شدّد الوزير على أنّ إعادة تنظيم أنظمة الضمان الاجتماعي وتنويع مصادر تمويلها يُعدّان أحد أهمّ محاور الإصلاح الحقيقي، وهي مقاربة شرعت الوزارة في تنفيذها ضمن قانون المالية الحالي.
وفيما يتعلق بتطبيق قانون منع المناولة وتنظيم عقود العمل، كشف الوزير عن تفاعل إيجابي واسع من أغلب المؤسسات الخاصة، مقابل تواصل معالجة بعض الإشكاليات في القطاع العام بالتنسيق مع رئاسة الحكومة. وقد نجحت الوزارة إلى حدّ الآن في تسوية وضعيات نحو 92 ألف عامل، مما ساهم بصفة ملموسة في الحدّ من الهشاشة المهنية. ورغم النتائج الإيجابية، ما تزال بعض القطاعات تتعلّل بساعات العمل الفعلية، في حين أنّ مجلة الشغل حدّدت بوضوح العدد السنوي للساعات وهو 2080 ساعة لنظام 40 ساعة أسبوعيًا و2496 ساعة لنظام 48 ساعة أسبوعيًا.