نظّم مجلس نواب الشعب صباح اليوم الأربعاء 17 جانفي 2024 ببادرة من الأكاديمية البرلمانية، يوما دراسيا برلمانيا حول موضوع : "إنتاج وتصدير المنتوجات الفلاحية: الواقع والتحديات والآفاق"، أشرف على افتتاحه السيد إبراهيم بودربالة، رئيس مجلس نواب الشعب، وذلك بحضور السيد الأنور المرزوقي نائب رئيس المجلس وعدد من النواب ومن إطارات وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
وأبرز رئيس مجلس نواب الشعب في البداية الأهمية التي يكتسيها عمل الاكاديمية البرلمانية للمجلس من حيث توفير فضاء للحوار مع إطارات عليا من الدولة ومع الكفاءات الوطنية والاستماع الى آرائهم بخصوص عديد القطاعات الحيوية ذات العلاقة بالأمن القومي.
وبعد أن أكّد الارتباط الوثيق للقطاع الفلاحي بالأمن القومي، ثمّن رئيس مجلس نواب الشعب مبادرة الأكاديمية البرلمانية التي جعلت منه محورا للأيام الدراسية للشهر الحالي بهدف تعميق النظر وتشخيص الواقع واستشراف مستقبل هذا القطاع الحيوي الهام.
وتواصلت أشغال اليوم الدراسي برئاسة السيد الانور المرزوقي نائب رئيس مجلس نواب الشعب الذي أكد ان هذا اليوم الدراسي يندرج في إطار التفاعل بين المؤسسة التشريعية ومختلف الفاعلين في القطاع الفلاحي من أجل الاستفادة من جميع الخبرات في تشخيص واقع القطاع وأبرز تحدياته.
و في اطار المحور الأول من اليوم الدراسي حول المنتوجات الفلاحية والصيد البحري: واقع الإنتاج والتصدير وتربية الأحياء المائية، قدّم السيد عبد الفتاح سعيّد المدير العام للانتاج الفلاحي، مداخلة حول واقع وافاق تصدير المنتوجات الفلاحية، استعرض فيها احصائيات هامة حول قطاعات الزياتين والتمور والقوارص والغلال والخضر.
وأكّد تطوّر انتاج الزيتون من سنة 2017 الى 2023، مشيرا الى أن صادراته تطوّرت من 85 الى 195 الف طن، وتتجه أساسا نحو اسبانيا وإيطاليا بحولي 77 بالمائة. وأفاد ان نقاط ضعف هذا القطاع تتمثل أساسا في غياب أسواق جملة منظمة لمنتوج الزيتون بكافة الجهات، مع ضعف القيمة المضافة جراء تصدير 80% من الكميات في شكل زيت سائب، في ظل وجود مصنع وحيد بتونس لإنتاج قوارير تعليب زيت الزيتون.
وبيّن أن النهوض بهذا القطاع يتطلّب تصدير 260 الف طن سنويا على أن تصل كميات الإنتاج الى 300 ألف طن في أفق 2030.
ثم تطرّق الى التطوّر الملحوظ لصادرات قطاع التمور، والى الأهداف الاستراتيجية لهذا القطاع على المدى القريب حيث من المتوقع أن يبلغ الانتاج 150 الف طن سنة 2025. كما أوضح ان إشكاليات هذا القطاع تتمثل أساسا في المزاحمة الشديدة بالأسواق القريبة والتقليدية وخاصة بالسوق الفرنسية وحدة منافسة البلدان المنتجة للتمور بالأسواق الخارجية، وقلة تواجدنا بالأسواق الواعدة على غرار الهند، وأمريكا وكندا إضافة الى ضعف حصّة التمور التونسية الموجّهة للسوق الآسيوية والقارة الأمريكية.
كما أكّد المدير العام للإنتاج الفلاحي ان قطاع القوارص الذي يساهم ب 4.42 بالمائة من القيمة الجملية للإنتاج الفلاحي، يشهد تحديات ملحوظة على غرار قلة التحكم في التقنيات ببعض مناطق الإنتاج الجديدة و صعوبة التحكم في الحماية الصحية ضد الأمراض والآفات، الى جانب ضعف التنظيم المهني خاصة بين صغار المنتجين من جهة و تراجع الصادرات والاقتصار على السوق الفرنسية من جهة أخرى.
واعتبر أن افاق القطاع تتمثّل في دعم الديبلوماسية الاقتصادية خاصة مع بلدان الجوار لرفع الحواجز غير الجمركية واعداد دراسة حول ترويج القوارص بالاسواق الخليجية، وبلدان أوروبا الشرقية والبلدان الافريقية.
وبخصوص انتاج الخضروات والمنتوجات الجيوحرارية تعرض الى إشكاليات تصديرها المتمثلة خاصة في عدم ملاءمة فترات الإعفاء من الآداء الديواني في إطار اتفاقية التبادل التجاري مع الإتحاد الأوروبي وذروة الإنتاج والتصدير لبعض المنتوجات على غرار البطاطا والقناريّة والورقيات.
ثم تطرق الى محدودية النقل الجوي والبحري وارتفاع كلفته ممّا حال دون تطوير الصادرات الموجهة إلى بعض الأسواق البعيدة كالسّوق الروسيّة والآسيويّة و بلدان الخليج، إضافة الى عدم انتظام التصدير خاصّة لمادة القناريّة من طرف بعض شركات التجارة الدولية.
من جهته استعرض السيد علي الشيخ السبوعي المدير العام للصيد البحري وتربية الأسماك واقع وافاق تصدير منتوجات هذا القطاع. وابرز ان الصيد الساحلي يستأثر بـــ 92 بالمائة من الإنتاج الوطني الذي تراجع بنسبة 19 في المائة مقارنة بسنة 2022. وأضاف ان هذا التراجع يعود أساسا الى التقلبات الجوية التي تسببت في تضرر الأقفاص العائمة، والى النفوق الناتج عن عدة عوامل، إضافة الى شحّ الأمطار وتراجع مخزون السدود، الى جانب ارتفاع كلفة الإنتاج في ظل الإعتماد على توريد الأعلاف وفراخ الأسماك.
و أبرز تطور نسبة الصادرات من حيث القيمة خلال الفترة الممتدة 2021-2022، من % 15,8 الى 23 %.
وأفاد أن القطاع يشهد عدّة تحديات في مقدّمتها المنافسة العالمية والنقل البري والبحري والجوي، ومعايير الصحة والجودة والولوج الى أسواق تصديرية واعدة، إضافة الى اشكالية الصحة والجودة.
وفي إطار المحور الثاني "قطاع الغابات وتهيئة الأراضي الفلاحية: ثروة مهددة"، شخّص السيد محمد نوفل بالحاجة المدير العام للغابات، واقع القطاع وتوجهاته الاستراتيجية . واكد مساهمته الهامة في الاقتصاد الوطني على مستوى الحاجيات العلفية للقطيع والحاجيات الوطنية للطاقة، مع توفير 30 بالمائة من معدل الدخل السنوي لبعض العائلات الغابية.
وابرز ان القطاع يقوم بوظائف بيئية من خلال حماية المياه والتربة ومقاومة زحف الرمال و توفير المنتوجات الغابية، إضافة الى دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية والترفيه وتحسين نوعية الحياة.
وأشار الى التحديات الكبرى للقطاع المتمثلة خاصة في الترفيع في نسبة الغطاء النباتي (الغابي والرعوي)، وحماية الأراضي الفلاحية والحد من تدهورها في ظل تغير المناخ وتواتر الفيضانات والجفاف، الى جانب المحافظة على الأحياء البرية النباتية والحيوانية والتنوع البيولوجي، مع حوكمة التصرّف في المنظومات وترشيد استغلال وتثمين الموارد الطبيعية والمنتوجات الغابية.
وفي المحور الثالث " التعليم العالي والبحث والتكوين والإرشاد الفلاحي : إنتظارات كبيرة وموارد محدودة"، قدم السيد خميس الزياني المدير العام لوكالة الارشاد والتكوين الفلاحي، مداخلة حول تحديات قطاع الارشاد الفلاحي الذي يهدف بالخصوص الى تأهيل الشباب لتحسين تشغيليتهم عبر ملاءمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل، إضافة الى التكوين من أجل التمكين الاقتصادي والاجتماعي خاصة للفئات الهشة، ومعاضدة التنمية. ثم تعرّض الى الصعوبات التي يواجهها القطاع وأبرزها غياب هيكلة مهنة المرشد الفلاحي، ما نتج عنه تشتت الإرشاد بين عدة متدخلين ومستشارين خواص. كما أشار الى نقص التجهيزات الأساسية للتشخيص المبكر للخلايا الترابية، الى جانب ضعف انخراط الفلاحين والبحارة صلب هياكل مهنية قاعدية، فضلا عن أن 55 % من خلايا الإرشاد غير مرتبطة بشبكة الانترنت،
وقدم جملة من المقترحات للنهوض بالقطاع منها إعادة حوكمة جهاز التكوين المهني والإرشاد في الفلاحة والصيد البحري، وإحداث نظام أساسي خاص بالمرشدين، و الرجوع إلى نظام التوجيه من منظومة التربية إلى التكوين.
بدوره قدم السيد هشام بن سالم المكلف بتسيير مؤسسة البحث والتعليم العالي الفلاحي، واقع هذا القطاع وتحدياته، معتبرا أنه ساهم في التنمية عبر تحسين انتاج الزيتون والرفع من جودة الزيت وتجويد انتاج التمور، وتحويل بعض المخاطر الى فرص على غرار توظيف مادة المرجين و ترويج السلطعون الأزرق. كما تعرّض الى أهميته في تطوير واعتماد بروتوكولات ناجعة لمقاومة العديد من الأمراض النباتية والحيوانية وكذلك في تطوير خلطات علفية وادماجها في التغذية الحيوانية، الى جانب توظيف تقنيات تمكّن من الاقتصاد في مياه الري على مستوى الحقل و اعتماد الذكاء الاصطناعي للتحكم عن بعد في الري.
كما أبرز المكلف بتسيير مؤسسة البحث والتعليم العالي الفلاحي، تحديات البحث في القطاع الفلاحي ومنها من خلال دعم البحوث المؤثّرة ميدانيا، والاستغلال الواسع لمخرجاتها، من اجل تفعيل اسهامها في تطوير فلاحة مستدامة وصامدة وشاملة. كما أشار الى أولويات البحث العلمي في افاق 2030 المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي، وتحسين مساهمة القطاع الفلاحي في النمو الاقتصادي والتصرف المستدام في الموارد الطبيعية في ظل التغيرات المناخية، وادماج القطاعات وتنظيم المهنة والتنمية المحلية والتكافؤ الاجتماعي.
وطرح النواب في تفاعلاتهم عددا من الاستفسارات والتساؤلات حول واقع وافاق الانتاج الفلاحي وكيفية تركيز الاليات الضرورية والاستراتيجيات الكفيلة بالحفاظ على استمراريته.
كما تطرقوا الى أهمية البحث عن أسواق تصدير جديدة كالسوق الاسيوية والافريقية لا سيما في قطاعات التمور والزياتين.
وتطرّق المتدخّلون الى الإشكاليات التي تعيشها بعض الجهات بخصوص قطاع الصيد البحري والأراضي الدولية، مشيرين الى بعض ملفات الفساد في هذا الشأن. ودعوا الى أهمية تركيز الية وطنية تخص موضوع الغابات والتهيئة الترابية لمجابهة الزحف العمراني والحفاظ على الأراضي المنتجة.
وشدد النواب على ضرورة مزيد العناية بالبحث العلمي الفلاحي حتى يكون سلاحا للنهوض بجميع القطاعات المنتجة لا سيما الموجهة للتصدير . كما أجمعوا على أهمية التوجه نحو الفلاحة الذكية والبيولوجية تماشيا مع مقتضيات التنافسية العالمية.