أشرف السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب صباح اليوم الأربعاء 12 فيفري 2025 على افتتاح أشغال اليوم الدراسي البرلماني الذي نظمته الأكاديمية البرلمانية حول "مشروع قانون أساسي يتعلق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم"(88/2024)"، وذلك بحضور نائبي رئيس المجلس السيدة سوسن المبروك والسيد الانور المرزوقي، ورئيس لجنة التشريع العام السيد ياسر القوراري، ومقرر لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الانتخابية السيد يوسف طرشون، والكاتب العام لوزارة الداخلية السيد عصام الحمروني، والكاتب العام لوزارة الاقتصاد والتخطيط السيد فوزي غراب، وعدد من إطارات الوزارتين ووزارة المالية، الى جانب ممثلين عن مجلس الإقليم الثاني، وعدد هام من النواب والضيوف.
وألقى رئيس مجلس نواب الشعب في مفتتح الأشغال كلمة بيّن فيها أنّ دستور 25 جويلية 2022 نصّ على أنّ الوظيفة التشريعية تتكوّن من مجلس نواب الشعب الذي تسلّم عهدته منذ 13 مارس 2023 وله الصلاحيات التشريعية والرقابية والديبلوماسية البرلمانية، والمجلس الوطني للجهات والاقاليم، الذي جاء احداثه في اطار فلسفة كاملة يتعيّن على الجميع استيعابها باعتبارها ترمي الى ضرورة تذليل الفوارق التي كانت بين مختلف الجهات وذلك عبر تشريكها في صناعة القرار.
وأضاف أنّ أهمية هذا المجلس تتمثّل بالنسبة للمستقبل في اعداد المقترحات والتصوّرات بخصوص المخطط الذي ستقدّمه الحكومةللسنوات 2026-2030، معتبرا انّ كل المقترحات وكل الملاحظات سيقع تجميعها من طرف وزارة الاقتصاد والتخطيط وتصاغ بصورة نهائية في المخطط. وبيّن أن كل العمادات ستشارك لأوّل مرّة في تاريخ البلاد في المخطط التنموي باعتبار أن المجالس المحلية تمثّلها، وتقدّم مقترحاتها التي ترفع الى الجهويات، فالأقاليم، فالمجلس الوطني للجهات والأقاليم. وأكّد ضرورة استيعاب هذه الفلسفة الكاملة من قبل الجميع باعتبارها تمثّل اهم دور ستقوم به الغرفة الثانية للوظيفة التشريعية، وكذلك بقية الهياكل انطلاقا من المحليات.
وأضاف رئيس مجلس نواب الشعب أن مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم الذي يتم النظر فيه هو قانون إطاري، وستبرز في المستقبل عند التطبيق عدة اقتراحات سيقع أخذها بعين الاعتبار . وشدّد على أهمية الانطلاق من نص قانوني لشروع هذه المجالس في أعمالها وممارسة صلاحياتها ثم تتبلور الآليات من وراء إحداث هذه الغرفة.
وفي مداخلته، إعتبر السيد ياسر القوراري رئيس لجنة التشريع العام أنّ الزخم الذي عرفته البلاد خلال ما سمّي بفترة الإنتقال الديمقراطي لم يؤدّ إلى نتائج ملموسة بل تحوّل إلى مناخ تسوده المحسوبية والمحاباة وتوظيف المال السياسي وضرب أركان الدولة من الداخل. وبناء على ذلك، كان من المفروض تعديل البوصلة وقطع الطريق أمام هذه الممارسات بتكريس مبدأ تكافؤ الفرص من خلال إعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية وتعديل القانون الإنتخابي بإعتماد منظومة إقتراع على الأفراد ممّا مكّن الشعب من إختيار الأشخاص الذين يمثّلونهم حقّا ويحملون مشاغلهم اليومية بإعتبار قربهم منهم.
وشدّد السيد ياسر القوراري على أن تحقيق العدالة لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال مسار تنموي واضح ترسمه المجالس المحلية المنتخبة والتي يوكل لها هذا الدور من خلال التواصل المباشر مع المواطنين بالنظر إلى أن المنتخبين يمثّلون غالبا أحياءهم، وبيّن أن الإطار القانوني نظّم عمل هذه المجالس من خلال الفصل 133 من الدستور، وفي إطار تنزيل مقتضيات الدستور يأتي مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم (88/2024) والذي تمّت إحالته على مجلس نواب الشعب بتاريخ 31 ديسمبر 2024 قبل أن يحيله مكتب المجلس على أنظار لجنة التشريع العام ولجنة النظام الداخلي والقوانين الإنتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الإنتخابية.
وذكّر رئيس لجنة التشريع العام أنّ مسار النظر في مشروع القانون المعروض تضمّن عددا من جلسات الإستماع إلى كلّ من السيدة وزيرة المالية والسيد وزير الداخلية والسيد وزير الإقتصاد والتخطيط قبل أن يتمّ إقرار عقد هذا اليوم البرلماني الأكاديمي الذي ستدرج مخرجاته ضمن أعمال اللجنة وستؤخذ المقترحات الصادرة عنه بعين الإعتبار في نقاش فصول مشروع القانون المعروض. وشدّد على أنّ الدور الأساسي للمجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم يكمن في كونها قوّة إقتراح لا سيما فيما يتعلق بالمسار التنموي وأنّه ينبغي على كل مؤسسات الدولة معاضدة مجهودات هذه الهياكل المنتخبة من خلال توفير الدراسات والخبرات الإدارية والدعم المادي واللوجستي والفني حتّى يتسنّى لها لعب الدور المنوط بعهدتها على أحسن وجه.
وأفاد رئيس لجنة التشريع العام أن النقاشات صلب اللجنة كانت مفتوحة وثريّة وتطرّقت لكلّ المشاغل التي عبّر عنها نوّاب المجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، وأبرز أنّ اللجنة توصّلت بـ7 مراسلات تضمّنت مقترحات وآراء من قبل هذه المجالس وقد خصّصت لها اللجنة حيّزا زمنيّا لعرضها وتدارسها والإستئناس بها في مسار المصادقة على مشروع القانون صلب اللجنة.
من جهته، إعتبر السيد يوسف طرشون مقرّر لجنة النظام الداخلي والقوانين الإنتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الإنتخابية، أنّ البلاد تمرّ اليوم بلحظة تاريخية بإعتبار أنّها تشهد تغيّرا نوعيّا في بنية الحكم وإسترجاعا لثورة الشعب المسلوبة بإسم الديمقراطية التمثيلية الشكليّة، وأكّد أن مشروع القانون موضوع اليوم الدراسي هو آخر لبنة في بناء الوظيفة التشريعية في تصوّرها الجديد الذي يمثّل صوت المواطن بصورة فعليّة.
وأبرز أن الهاجس الأساسي للنواب المحليّين يكمن في إمكانيّة إسناد سلطة تقريرية لعمل المجالس المحلية، وإعتبر في هذا الصدد أنّه لا يمكن الإستجابة لهذا المطلب بإعتباره لا يستقيم إجرائيا، وأوضح أن التداول في مقترحات المجالس المحلية صلب المجالس الجهوية هو شكل من أشكال السلطة التقريرية بإعتبار أنّها ستعرض كقاعدة للمصادقة على أنظار المجلس الوطني للجهات والأقاليم وتكتسي بعد المصادقة عليها طابعا تقريريّا.
وفي مداخلته، ثمّن السيد عصام الحمروني الكاتب العام لوزارة الداخلية المبادرة المتعلقة بتنظيم يوم دراسي برلماني حول مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، وأكد أن مشروع هذا القانون يتنزّل في إطار الخيارات الوطنية التي عبّر عنها دستور 25 جويلية 2022 والذي يجسّم إرادة الشعب في تحقيق العدل والحرية والكرامة ويؤمن بأن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تنجح إلاّ إذا كانت مشفوعة بديمقراطية إقتصادية وإجتماعيةتخوّل للمواطن الاختيار الحرّ تكريسا لحقّه في التوزيع العادل للثروات الوطنيّة وتقضي على كلّ أشكال التفاوت الجهويّ والفئويّ.
وإعتبر الكاتب العام لوزارة الداخلية أن الهدف الأساسي من إحداث هذه المجالس يكمن في تحقيق الإندماج الإقتصادي والتنموي في كنف إحترام وحدة الدولة والقطع مع التخطيط المركزي الصرف الذي لا يعكس غالبا إحتياجات الجهات.
وأوضح أن هذه المجالس، وإعتبارا لصفتها كجماعات محلية، تتمتّع بالشخصية القانونية والإستقلالية المالية والإدارية وتٌحمل نفقات تسييرها على ميزانية الدولة، وقد تضمّن المشروع أحكاما تقضي بمرافقة السلطات العمومية للمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الاقاليم في آداء مهامها وتوفير كافة الوسائل الضرورية لها مع تمكين الاعضاء المنتخبين من منحة شهرية مجزية سيتم ضبط مقدارها وشروط اسنادها بمقتضى أمر. وعلاوة على ذلك، فقد تضمن المشروع احكاما تقضي بتسهيل الحضور في الجلسات وفي دورات تكوينية من خلال التنصيص على واجب المؤجرين تمكينهم من تسهيلات في الغرض، مع التأكيد على انه لا يمكن ان يكون تغيّب الاعوان لحضور جلسات او دورات سببا للطرد او فسخ عقد الشغل فضلا عن أنّه لا يمكن ان ينجرّ عن الغيابات لحضور الجلسات أي اجراء تأديبي او تعطيل ترقية مهنية او الحرمان من الانتفاع بأيّ إمتياز اجتماعي.
ومن جهته، قدّم السيد فوزي غراب الكاتب العام لوزارة الإقتصاد والتخطيط عرضا تمحور حول منهجية إعداد المخطّط التنموي في ظلّ الهيكلة الجديدة لمنظومة الحكم. وأبرز في هذا السياق أنّ المخطط التنموي يضبط الأولويات الوطنية لفترة 05 سنوات على المستوى القطاعي والمستوى المحلي والجهوي والإقليمي بالإضافة إلى الإصلاحات المزمع القيام بها خلال نفس الفترة. كما أوضح أن التوجّهات الوطنيّة الكبرى تضبط من خلال تنمية رأس المال البشري والعدالة الإجتماعية والتنمية الجهويّة العادلة والتهيئة الترابيّة الدامجة والإقتصاد التنافسيّ المتنوّع والدّاعم للمبادرة الخاصة.
وبيّن الكاتب العام لوزارة الإقتصاد والتخطيط أن إعداد التقارير القطاعيّة يخضع للتبويب الوارد بالدليل القطاعي على غرار التقييم الكمّي والنوعيّ وتطوّر المؤشرات وتقدّم إنجاز المشاريع والبرامج وتبويبها حسب الصنف (وطني/جهوي) ودرجة النضج بالإضافة إلى الإشكاليات الهيكلية والظرفية المطروحة وضبط الآفاق والإستراتيجيات وتحديد الإجراءات المصاحبة وإستغلال الدراسات المنجزة.
وقدّم السيد فوزي غراب لمحة عن مسار إعداد المخطط التنموي والذي يمرّ في مرحلة أولى بالمستوى المجالي والمستوى القطاعي قبل أن يعرض على المستوى الوطني. وأوضح في هذا السياق أن المستوى المجالي يتكوّن من المجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم في حين يتكون المستوى القطاعي من المؤسسات العمومية والوزارات الفنية، وذلك بهدف العمل بصفة تشاركية في بلورة مخطّط تنموي يعرض فيما بعد على المستوى الوطني ممثّلا في وزارة التخطيط والإقتصاد التي تتولى النظر فيه قبل إحالته على أنظار رئاسة الحكومة قصد عرضه على مجلس وزاري وإحالته على أنظار الوظيفة التشريعية بغرفتيها للمصادقة عليه بصفة مشتركة.
وخلال النقاش العام تطرّق الحضور إلى مسألة التنسيق بين الأقاليم فيما بينها من جهة ومع المجالس الجهوية والمحلية من جهة أخرى، بالإضافة إلى ضرورة ضبط الإطار القانوني للتفرّغ وللمفعول الرجعي لمستحقات النواب المنتخبين عن المحليات ولموضوع الحصانة وعدد من المشاغل المتعلقة بضعف الإمكانيات الموضوعة على ذمة مجالس الأقاليم مقارنة بالمهام الجسيمة المنوطة بعهدتهم.
وفي سياق آخر، إعتبر عدد من نواب مجلس نواب الشعب أنّ كل المقترحات التي وردت عليهم من قبل النواب المحليين تمّت دراستها وأخذها بعين الإعتبار ودعوا إلى إغتنام فرصة اليوم الدراسي لمزيد توضيح وإثراء المقترحات قصد جردها وتدوينها صلب محضر جلسة اليوم الدراسي الأكاديمي.
وشدّد عدد من الحاضرين على أنّ الشعب هو الذي قرّر القطع مع الممارسات التي عرفتها البلاد إبّان الثورة نظرا لما نتج عنها من فساد وفوضى وعبث لا يمتّ لإنتظارات الشعب بأيّ صلة، وإختار مسارا إصلاحيا وفق فلسفة جديدة تضع المواطن في قلب الخيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال البناء القاعدي وهو ينتظر الآن تنظيم الإنتخابات البلدية قصد مواصلة المسار الذي بدأ في 25 جويلية 2021.
وعبّر بعض النواب عن تخوّفهم من التخلّي عن دورهم التشريعي من خلال فسح المجال للوظيفة التنفيذية لضبط بعض المسائل الجوهرية بمقتضى أمر والإكتفاء بوضع الإطار العام لعمل المجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، لا سيما وان مشروع هذا القانون مهمّ للغاية ومن شأنه أن يغيّر ملامح سير دواليب الدولة بصفة كليّة ولا ينبغي بأيّ حال من الأحوال إستعجال النظر فيه بل لابد من التروّي وتعميق دراسته والإطلاع على أكبر عدد ممكن من التجارب المقارنة ومن الدراسات العلمية والفنية المتعلقة بمجال اللامركزية، وتساءلوا في نفس السياق عن جدوى إعطاء المجالس المحلية صفة الجماعات المحلية في حين أن عديد الدول تعمل على تقليص الهياكل التي تتمتّع بهذه الصفة.
وأكّد بعض المتدخّلين أن نظام الإقتراع على الأفراد جعل الفعل الميداني يسبق النصّ المنظّم للعمل المحلّي والجهويّ والإقليميّ، مشيدين بروح المسؤولية العالية التي يتحلّى بها النواب المحليّون المنتخبون، وبالتشخيص الجدّي الذي يقومون به، وبالحلول العملية التي يطرحونها لفضّ المشاكل العالقة المرتبطة بالحياة اليومية للمواطن الذّي همّش على إمتداد العشرية السابقة وضاعت مصالحه في غيابات التوافق وتقاسم المصالح. وحذّروا من كلّ المحاولات التي يسعى بعض الأطراف من خلالها إلى إفشال المسار مشدّدين على ضرورة محاسبة كلّ المسؤولين عن بثّ الفتنة والبلبلة في صفوف المواطنين والمواطنات من خلال إفتعال الإشاعات وتشويه الحقائق.
وإستغرب بعض المتدخّلين التأخّر الكبير في إحالة مشروع القانون المتعلق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم من قبل الحكومة على أنظار مجلس نواب الشعب بإعتبار أن الإنتخابات المحلية إلتأمت في ديسمبر 2023، وأنّ إحالة مشروع القانون المشار إليه تمّت في ديسمبر 2024، فضلا عن ضعف الصلاحيات المسندة للمجالس المحلية التي جاء بها مشروع القانون والذي إختصر مهام المجالس في "قوة إقتراح" لا غير، وإعتبروا أنّ هذا ساهم في خلق مناخ من الضبابية ومن عدم وضوح الرؤية فضلا على عدم تماشيه مع الفلسفة الجديدة للبناء القاعدي.
وفي ختام اليوم الدراسي، إعتبر رئيس مجلس نواب الشعب أن دور البلديات يختلف عن دور المحليات إختلافا جذريا، فهي لها صلاحيات محدّدة وسيقع مناقشتها في مجلس نواب الشعب في إطار مشروع قانون الجماعات المحلية. وبيّن أن الرؤية ستتّضح بالممارسة كما هو الشأن مع مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم من جهة والوظيفة التنفيذية من جهة أخرى والذين يعملون في مناخ من التناغم والإنسجام والتكامل من أجل المصلحة العليا للوطن.
كما أقرّ رئيس المجلس أنّ الوظيفة التنفيذية ممثّلة في شخص رئيس الجمهورية لم تتدخّل بتاتا في عمل الوظيفة التشريعية وهذا ما يمكن للمواطن أن يلمسه من خلال حرية الآراء التي يدلي بها نواب الشعب في مختلف الأنشطة التي ينظّمها المجلس وفي سائر المهام المنوطة بعهدته سواء التشريعية أو الرقابية أو الدبلوماسية البرلمانية.
وشدّد رئيس المجلس على تمسّك كلّ مؤسسات الدولة بإستقلالية قرارها السيادي وهذا ما يثير حفيظة عديد الأطراف ويجعلها تشنّ هجمات وتنظّم حملات تستهدف من خلالها مؤسسات الدولة بغية إرباكها، ولكنّها لن تنجح في ذلك بفضل الإرادة الصادقة والعزيمة القويّة وروح المسؤولية العالية التي يتحلّى بها ممثّلو الشعب، وكذلك بفضل صلابة مؤسسات الدولة وتماسك أركانها.الأقاليم