نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب صباح اليوم الأربعاء 29 جانفي 2025 يوما دراسيا برلمانيا حول "متابعة استراتيجية الوظيفة التنفيذية للمياه"، أشرف عليه السيد ابراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، وذلك بحضور السيدة سوسن المبروك والسيد الأنور المرزوقي نائبي رئيس المجلس، وعدد من الإطارات السامية بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، وعدد من النواب.
وأعرب رئيس مجلس نواب الشعب في كلمته في مفتتح الأشغال عن أهمية المتابعة والبحث في موضوع المياه ، معتبرا أنّه أصبح الشغل الشاغل لكل الفئات في العالم وخاصة بالنسبة إلى المنطقة التي توجد بها بلادنا باعتبار مخاطر شحّ المياه. وأكّد أهمية التحكّم في كل الموارد المائية سواء عند تجميعها أو توزيعها، مبيّنا أنّ مجلس نواب الشعب ارتأى تنظيم هذا اليوم الدراسي باعتبار الأهمية التي يوليها لهذا الملف الحيوي فضلا على ما يتحمّله من مسؤولية دستورية .
وأضاف أنّ هذا اليوم الدراسي سيمكّن من التواصل بين النواب والاطارات العليا المكلّفة بملف المياه لتوضيح المفاهيم سواء بالنسبة إلى البرامج التي وضعتها الحكومة، أو بالنسبة إلى استفسارات وتساؤلات النواب . وأكّد ضرورة إطّلاع نواب الشعب على تفاصيل سير هذا الملف باعتبارهم ينقلون هواجس ناخبيهم وآرائهم.
كما شدّد على أنّ تنظيم هذا اليوم الدراسي يهدف كذلك الى تحقيق التناغم الحقيقي بين الوظيفة التنفيذية والتشريعية.
وقدّم السيد شاكر بن زيد كاهية مدير البرمجة والدراسات الاستراتيجية بشركة استغلال قنال وأنابيب مياه الشرب، مداخلة حول الوضعيّة الحالية للموارد المائيّة، بيّن خلالها أنّ المعدّل السنوي للتساقطات المطرية يمثّل 36 مليار متر مكعب تتوزّع إلى 13 % من المياه الزرقاء القابلة للاستغلال، و17% مياه خضراء (فلاحة مطرية)، و15% مياه خضراء (غابات ومراعي)، مضيفا أنّ النسبة الكبرى 55%، تذهب إلى التبخّر والسيلان في الأراضي الرطبة والبحر.
وبيّن أنّ الموارد المائيّة تتوزّع إلى موارد مائية تقليدية يمكن تعبئتها وتمثّل 4.8 مليار متر مكعّب، وموارد مائيّة غير تقليديّة تمثّل 405 مليون متر مكعّب، ما يجعل إجمالي المياه المتوفرة 5.205 مليار متر مكعب في السنة يمثّل نصيب الفرد منها 420 متر مكعّب في السنة.
وأوضح أنّ تونس تأتي في المرتبة 30 عالميا من حيث نصيب الفرد من المياه في السنة وهي تحت عتبة "الندرة المطلقة للمياه" التي تمثّل 500 متر مكعب في السنة لكل ساكن. وأضاف أنّه سينخفض الى 350 متر مكعب في السنة لكل ساكن بحلول عام 2050.
واستعرض مدير البرمجة والدراسات الاستراتيجية بشركة استغلال قنال وأنابيب مياه الشرب، توزيع استغلال المياه حسب النشاط سنة 2023، حيث بيّن أنّ إجمالي كمية المياه المستغلّة هي 3.8 مليار متر مكعب، تتوزّع على مياه الري بـ74% ومياه الشرب بـ 23% ، تليهما الصناعة بـنسبة 2%والسياحة بنسبة 1%.
كما تطرّق إلى وضعيّة السّدود بتاريخ 27 جانفي 2025، حيث أشار إلى الوضعية الحرجة لنسبة الإيرادات للسدود رغم أنّ التساقطات منذ بداية الموسم فاقت المعدّل لهذه الفترة (قرابة 111%) وتمثل قرابة 62 % من المعدل السنوي. وأوضح في هذا الإطار أنّ المخزون الجملي للسدود بلغ 755 مليون متر مكعب مقارنة بــ 768 مليون متر مكعب لنفس اليوم بالسنة الفارطة وهو ما يعني وجود عجز بـــ 13 مليون متر مكعّب.
وبيّن من جهة أخرى أن الإيرادات الجملية للسدود هي 494 مليون متر مكعّب مقارنة بــ 385 مليون متر مكعّب لنفس اليوم بالسنة الفارطة، أي ارتفاع الإيرادات بـــ 109 مليون متر مكعّب. وبيّن أن هذه الايرادات هي دون المعدّل لنفس الفترة بـــ 318 مليون متر مكعّب، اذ من المفروض أن تمثّل هذه الايرادات 812 مليون متر مكعب.
وتطرّق إلى الوضعيّة الحاليّة لسدّ سيدي سالم، مبيّنا أنّ المخزون الحالي يمثّل 114مليون متر مكعّب مقابل 198 مليون متر مكعّب لنفس اليوم في السنة الفارطة، وهو ما يعادل 19.6% من طاقة الخزن.
واستعرض الوضعية الحالية لسدود منظومة مياه الشرب للشمال بتاريخ 27 جانفي 2025 وعددها 14 سدّا وتمثّل 74% من مخزون جميع السدود، حيث بيّن أنّ 7 منها تراجع مخزونها مقارنة بالسنة الفارطة.
ثمّ قدّم السيّد رفيق العيني مدير التخطيط الاستراتيجي بمكتب التخطيط والتوازنات المائيّة، مداخلة حول مشاريع برنامج وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في قطاع المياه للفترة 2026-2030. وأفاد بأنّ المشاريع المائيّة تتطلّب عملا استباقيا هاما، مضيفا أنّ وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري أعدّت من هذا المنطلق استراتيجية للمياه تضمّ 4 محاور رئيسية وتحتوي على 43 برنامج مقسمة إلى 1200 إجراء إلى أفق 2050، وموزعة حسب المناطق.
وبيّن أن المشاريع ذات الأولويّة تمّ تضمينها في مخطّط 2026-2030 وتهمّ أساسا تعبئة الموارد المائية، وتحسين نجاعة شبكات مياه الشرب وشبكات الري، وتثمين المياه المعالجة في المجال الفلاحي، وتحلية مياه البحر، وأشغال التهيئة والمحافظة على الأراضي الفلاحية وتثمين حصاد مياه الأمطار، واعتماد الطاقات المتجددة. كما بيّن أن من توجهات الوزارة تعبئة 75% من الاستثمارات ابتداء من عام 2031، أي بنسبة 3.75% سنويًا حتى عام 2050. وأبرز في هذا الصدد ضرورة حشد التمويل المختلط والمتنوع، بما في ذلك استثمارات القطاع العمومي والقطاع الخاص، والهبات والتعاون الثنائي والدولي، والتمويل المناخي، إضافة إلى إعادة تدوير الديون ورسكلتها.
وأضاف، في علاقة بتوجهات وزارة الفلاحة في مجال المياه للفترة 2026 - 2030 ، أنّ أبرز ملامحها تتمثّل في تعبئة الموارد المائية السطحية، وتركيز محاور جلب وتحويل المياه، وتدعيم الموارد المائية الجوفية بإنجاز 30 سد باطني لمجابهة التبخّر، وتحسين نجاعة شبكات التزود بمياه الشرب بتجديد 5000 كلم، مع تركيز عدادات ذكية بمدينة جربة كمشروع نموذجي لتعزيز ترشيد الاستهلاك.
كما تطرّق الى استراتيجية إعادة تهيئة منظومات التزوّد بالماء الصالح للشرب عبر إعادة تأهيل 23 منظومة مائية لفائدة قرابة 90 ألف ساكن في الوسط الريفي وإحالتها إلى الشركة الوطنية لإستغلال وتوزيع المياه. وأشار من جهة أخرى إلى برنامج تثمين المياه المعالجة في المجال الفلاحي على مستوى الأراضي الفلاحية العمومية والخاصة عبر إحداث 30 منطقة سقوية صغرى على مساحة 8000 هكتار، وإعادة تهيئة وتعصير المناطق السقوية العمومية وتحلية المياه الجوفية المالحة لري 15 الف هكتار من الزياتين، وتحلية مياه البحر بتوسعة 4 محطات وإنجاز 4 محطات لتحلية المياه الجوفية. وبيّن في هذا الإطار أنّ الأولوية تُسند الى تمويل مشاريع توسعة محطّات تحلية مياه البحر بالنظر الى الجدوى الاقتصادية حيث تبلغ كلفة المتر مكعب 3000 دينارا بالنسبة الى التوسعة مقابل 4200 دينارا بالنسبة الى محطات التحلية الجديدة.
وتطرّق مدير التخطيط الاستراتيجي بمكتب التخطيط والتوازنات المائيّة، في معرض حديثه عن توجّهات الوزارة في مجال المياه للفترة 2026-2030، إلى برنامج إنجاز أشغال التهيئة والمحافظة على الأراضي الفلاحية، وتثمين حصاد مياه الأمطار لتطوير النظم الفلاحية (الحبوب، الزيتون، المراعي)، وتعزيز الفلاحة البعلية. كما تطرّق إلى برنامج اعتماد الطاقات المتجدّدة بطاقة انتاج جملية تقدّر بـــ 405 جيجاوات في الساعة في السنة، وذلك عبر استغلال محطّات الطاقة الكهروضوئيّة، وتركيز الألواح الكهروضوئية العائمة على المسطّحات المائية للسدود على مساحة 77,59 هكتار، بالإضافة إلى تركيز محطتي طاقة كهرومائية بطاقة جملية تقدر بــ: 10,8 ميجاوات.
واستعرض مجموعة من المشاريع المتعلّقة بالسدود والأشغال المائيّة الكبرى والتي تندرج في إطار تعبئة الموارد المائيّة، وتتمثّل في إنجاز سدود جديدة ومشاريع تعلية سدود ومشاريع إنشاء سدود جبليّة، بالإضافة إلى مشاريع تحويل المياه. كما أشار الى مشاريع الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لتحسين مردودية شبكات التزوّد بمياه الشرب ، مبيّنا أنه سيتمّ حسب مخطط 2025-2030 تهيئة قرابة 1000 كلم من القنوات سنويا ما يعادل 5000 كم.
وذكّر السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب قبل فسح المجال للنقاش العام بالجلسات والأيام الدراسية التي تمّت في السابق بخصوص موضوع أزمة المياه في تونس والأمن المائي والحلول المستوجبة، مؤكّدا انه ستتم برمجة مجموعة من الزيارات الميدانية من قبل النواب الى عدد من المنشآت المتعلّقة بتجميع المياه و معالجتها.
كما حثّ الوظيفة التنفيذية على تمرير مجلة المياه وعرضها على أنظار المجلس باعتبارها من المشاريع الحيوية والاستعجالية .
وفي تفاعلهم مع ما تم تقديمه من معطيات حول الوضعية الحالية للموارد المائية واستراتيجية الوزارة في مجال المياه للفترة 2026-2030، تطرّق النواب إلى عدد من الإشكاليات المتعلّقة بالملف المائي سواء على المستوى الجهوي أو الوطني. وأشاروا إلى أزمة مياه الشرب في العديد من المناطق الداخلية والتي تكون في بعض الأحيان مجاورة للسدود ولمنابع المياه. وشدّدوا على أهمية ضمان العدالة الاجتماعية في توزيع المياه، مشيرين كذلك إلى موضوع حفر الآبار وإلى كل ما يتعلّق بالرّخص واشكالياتها ، مطالبين في هذا الصدد بضرورة متابعة ومراقبة إسناد التراخيص واستعمالاتها. كما تطرّقوا الى موضوع الجمعيات المائية، معتبرين أنها أصبحت تمثل عبء كبيرا، داعين إلى ضرورة إلحاقها بالشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه.
وتطرّق النواب كذلك إلى أزمة سوء استغلال المنظومة المائية لا سيما في قطاعات الصناعة والسياحة، وإلى موضوع التسرّبات المائية نتيجة سوء وضعية الأنابيب والبنية التحتية، الى جانب وضعية السدود وتمركزها في مناطق دون غيرها.
وقدّم المتدخّلون مجموعة من المقترحات والحلول لا سيما مراجعة منظومة الزراعات السقوية وزيادة مساحات الحبوب مع تركيز سياسات خاصة بهذه المساحات الثرية ومراعاة المساحات السقوية الصغيرة باعتبارها مصدر رزق للفلاّح الصغير، مع إمكانية مراجعة تسعيرة المياه بما يتلاءم مع حجم الاستهلاك. كما دعوا الى أهمية تعصير منظومة المناطق السقوية العمومية ومنظومة السدود وتعصير طريقة تخزين المياه لا سيما عبر تشجيع إنشاء سدود جديدة وتركيز استراتيجية من أجل استغلال المياه الجوفية والاستئناس بالتجارب المقارنة لدول الجوار .
كما تطرقو الى أهمية تغيير الخارطة الفلاحية والمائية وتثمين المياه المعالجة وحسن استغلالها لا سيما من قبل المؤسسات الصناعية وعديد الاستعمالات الأخرى .
كما تباينت الآراء بخصوص مشروع تحلية مياه البحر كبديل وحل تقترحه الوزارة لمواجهة إشكاليات المياه على المدى البعيد بين مؤيد ورافض بالنظر خاصة إلى التكلفة الباهضة لمثل هذه المشاريع .
وأجمع النواب خلال النقاش العام على أهمية دعم العمل الرقابي للحدّ من إهدار المياه ، فضلا عن أهمية اعتماد استراتيجية متكاملة لترشيد استهلاك المياه وتشريك الاعلام والمؤسسات التربوية في هذه المنظومة. كما شدّدوا على أهمية التسريع في تمرير مجلّة المياه وإدخال التنقيحات الضرورية التي من شأنها أن تكون خارطة الطريق التي ستساهم في حلحلة مختلف إشكاليات ملف المياه.
ودعوا إلى أهمية العمل الاستباقي بخصوص شح المياه باعتبار ان الموضوع تم التنبيه اليه من قبل المختصين منذ سنوات وفرضته التغيّرات المناخية في العالم.
وخلال التعقيب على مداخلات النواب بيّن السيد فايز المسلم مدير عام السدود والأشغال المائية الكبرى بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، أهمية مثل هذه الأيام الدراسية لتقاسم المعطيات والتفاعل بشأنها. وأكّد أنّ مجلّة المياه تمثّل أولوية قصوى تعمل عليها الأجهزة التنفيذية، مشيرا الى أنّه تمّت إحالتها الى رئاسة الحكومة وستقع برمجة مجلس وزاري في الغرض في الفترة المقبلة. وبيّن أنّ مشروع تحلية مياه البحر الذي من المبرمج إنجازه في ظل الاستراتيجية المقبلة، هو خيار الدولة لضمان توفير مياه الشرب، مؤكّدا ضرورة أن تكون الدولة جاهزة لمثل هذه المشاريع مهما كانت تكاليفها. وأفاد بخصوص تعبئة السدود وحسن استغلال المياه، أنّه وقع الشروع في إنجاز 5 سدود كبرى في مناطق مختلفة لضمان تعبئة الموارد المائية السطحية.