مجلس نواب الشعب ينظّم يوما دراسيا برلمانيا حول " مقترح قانون تنقيح القانون المتعلّق بالتعليم العالي الخاص"

نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب صباح اليوم الأربعاء 05 فيفري 2025 يوما دراسيا برلمانيا حول  " مقترح قانون يتعلّق بتنقيح القانون عدد 73 لسنة 2000 المؤرخ في 25 جويلية 2000 والمتعلق بالتعليم العالي الخاص (26/2023)، أشرف عليه السيد ابراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، وذلك بحضور السيد منذر بلعيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والسيدة سوسن المبروك والسيد الأنور المرزوقي نائبي رئيس المجلس، والسيد كمال فرّاح رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب، إضافة إلى عدد من إطارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والضيوف من الأساتذة الجامعيين.

وذكّر رئيس مجلس نواب الشعب في كلمته في افتتاح الأشغال بقرار  مكتب المجلس  المتعلّق بتعميق النّظر في المبادرات التشريعية قبل عرضها على الجلسة العامة، وذلك بتنظيم يوم دراسي حولها في مستوى الأكاديمية البرلمانية للتواصل في شأنها مع الكفاءات ذات العلاقة. وأضاف أنّ القوانين تلزم الدولة بما يستوجب من المجلس التشريعي التثبّت والتريّث والاستماع الى مختلف الجهات والأطراف المعنية حتى يصوّت النائب على المبادرة التشريعية عن رويّة وبناء على فهم لمضمونها ولكل جزئياتها وما سيرتّب عنها من آثار قانونية .

ثم قدّم السيد منذر بلعيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي مداخلة تطرّق خلالها الى واقع قطاع التعليم العالي الخاص من خلال تقديم احصائيات حول عدد الجامعات ونسبة إقبال الطلبة عليها، فضلا عن تشخيص الصّعوبات التي تعترض هذا القطاع. كما تطرّق إلى تدخّلات الوزارة والإجراءات المعتمدة والتوجّهات المستقبلية لحلحلة المشاكل والنّهوض بالقطاع، والى ملاحظات الوزارة في تفاعلها مع مضمون مقترح القانون.

واستعرض الوزير مؤشّرات حول تطوّر عدد المؤسسات الخاصة للتعليم العالي وعدد الطلبة المسجلين وعدد المدرسين والمؤطرين القارين والعرضيين  من سنة 2005 الى السنة الحالية فضلا عن تطور عدد الخرجين حسب الاختصاصات . وبيّن أنّ  عدد المؤسّسات ارتفع من 21 مؤسّسة سنة 2005 الى 85 مؤسسة سنة 2025،كما تطوّر عدد  المدرسين القارين من 1250  سنة 2016 الى 1627 سنة 2025 وعدد المدرسين العرضيين من 3926 الى 4362. وبيّن أنّ العدد الجملي للطلبة ارتفع من 3322 طالبا الى 53687 طالبا. وأشار من جهة أخرى الى أن اختصاصات المؤسّسات تتوزّع بين 28 مؤسسة هندسة وتقنيات مماثلة، و 10 مؤسسات هندسة معمارية، و9 مؤسسات علوم الصحة،  و38 مؤسسة تنشط في اختصاصات أخرى .

ثمّ استعرض أهم الإشكاليات والصّعوبات التي يواجهها القطاع والمتمثّلة أساسا في شكل الشركات الباعثة باعتبار أنّها شركات تجارية ذات أهداف ربحية، ومحدودية قيمة الاستثمار عند الاحداث، ونسبة مساهمة المستثمرين الأجانب في رأس مال هذه الشركات، إضافة إلى غياب مبدأ التدرّج في العقوبات وشروط التسجيل بمختلف مسالك التكوين وآجال الترسيم وإشكاليات متعلّقة بالمتابعة والمراقبة. 

كما تطرّق الى الإجراءات المعتمدة  والمتمثلة خاصّة في إرساء منظومة معلوماتية تعنى بالتصرّف في المؤسسات الخاصة للتعليم العالي . وبيّن أن هذه المنظومة لا تزال في طور التجربة، وهي تتضمّن كل المعطيات حول تسجيل الطلبة ومتابعة المسار الجامعي والتثبّت من المسارات المؤهّلة بكل مؤسسة فضلا عن التحكّم في طاقة الاستيعاب و آجال التسجيل، ومتابعة وضعيات المدرّسين.  كما تطرّق الى الإجراءات المتّصلة بتكثيف المتابعة والمراقبة البيداغوجية والإدارية للمؤسسات، مؤكّدا أن الوزارة قامت ب48 زيارة بين سنة 2023 و2024.

ثم استعرض السيد منذر بلعيد التوجهات المستقبلية للوزارة والمتمثلة في توحيد منظومة التقييم والجودة، والاعتماد في القطاعين العام والخاص والجامعات العمومية والأجنبية، والعمل على تطوير آليات تبادل الخبرات ونقل المعرفة في إطار الشراكة بين المؤسسات الخاصة للتعليم العالي، إضافة إلى إعداد دراسة حول تشخيص واقع القطاع الخاص وضبط التوجهات الاستراتيجية، و إعداد مشروع قانون يتعلق بتنقيح واتمام القانون عدد 73 لسنة 2000 المؤرّخ في 25 جويلية 2000 المتعلّق بالتعليم العالي الخاص.  وبيّن أن هذا المشروع يهدف أساسا إلى تجاوز الصعوبات التطبيقية للنصوص المعتمدة طيلة 25 سنة، والى تفعيل توصيات محكمة المحاسبات في تقريرها لسنة 2018، وتشريك القطاع الخاص في معاضدة مجهود الدولة في مجال تشغيلية حاملي شهادة الدكتوراه، ومواكبة المتطلبات المستجدة لتكوين ذي جودة.

وأضاف الوزير أنّ التوجهات المستقبلية سترتكز على حوكمة المؤسسات عبر الترفيع في رأس مال الشركات الباعثة وفي نسبة مساهمة الأجانب في رأس مال الشركة  و تغيير آجال ايداع الملفات الخاصة بانطلاق السنة الجامعية ، إضافة الى إجراءات تخصّ إطار التدريس عبر الترفيع في نسبة المدرسين القارّين وفي نسبة انتداب حاملي شهادة الدكتوراه فضلا  عن إجراءات تنظيمية تخص الطلبة عبر مزيد التحكّم في آجال الترسيم و ضبط مقاييس وشروط التسجيل لكل شهادة، وكذلك إجراءات تهم مجال العقوبات  عبر إرساء مبدأ التدرج والترفيع في قيمة العقوبات المالية.

ثم تطرّق الى ملاحظات الوزارة في تفاعلها مع مضمون مقترح القانون لا سيما فيما يتعلق  بالفصل 14 (جديد) من القانون عدد 78 لسنة 2000  والذي ينص على وجوبية انتداب المؤسسات الخاصة للتعليم العالي نسبة لا تقل عن 30 بالمائة من جملة إطار التدريس  المباشر كمدرسين قارين بالمؤسسة، وبيّن أن الوزارة تتفق مع جهة التشريع في هذا التعديل .

وبخصوص التعديل المقترح حول تأمين المدرسين القارين المذكورين لنصف الدروس المقدمة في إطار كل شهادة منظمة من قبل المؤسسة الخاصة للتعليم العالي، بيّن  الوزير أن هذا المقترح يتطابق مع أحكام الفقرة 2 من القرار المؤرخ في 28 سبتمبر 2000 والمتعلق بضبط النسبة الدنيا الضرورية من المدرسين القارين بالمؤسسات الخاصة للتعليم العالي والمستوى العلمي الأدنى المطلوب .

 وبيّن من جهة أخرى أن المقترح الداعي الى أن يكون المدرسون القارّون من حاملي شهادة الدكتوراه، يتلائم مضمونه ، مبدئيا، مع التوجه العام للوزارة  في مجال الانتداب في القطاع العمومي، مؤكّدا ضرورة مزيد التدقيق من مدى توفر حاملي شهادة الدكتوراه في الاختصاصات المطلوبة من قبل القطاع الخاص .

وفيما يتعلّق بالتنقيح الخاص بالتنظير الذي ينص على أن إطار التدريس بالتعليم العالي الخاص ينظّر بالأنظمة الخاصة للمدرسين الباحثين بالتعليم العالي بالقطاع العمومي فيما يخص الأجر الأدنى وعدد ساعات التدريس والتأطير، أكد الوزير أن المسألة تخضع الى قانون الشغل وتقتضي التنسيق مع الهيئات المهنية في الغرض .


من جهته أبرز السيد كمال فرّاح رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب الأهمية التي يكتسيها مقترح القانون المتعلق بتنقيح قانون التعليم العالي الخاص، مستعرضا مختلف المراحل التي مرّت بها دراسته.  كما أبرز الدور التشريعي الذي تضطلع به اللجنة في عملها، داعيا الى تسريع المصادقة على هذه المبادرة التشريعية الهادفة الى إعادة هيكلة قطاع التعليم العالي الخاص في اتجاه ضمان ديمومة إطار التدريس واستقراره، ودمج حاملي شهادة الدكتوراه حتى يكون التعليم العالي الخاص شريكا مع الدولة في التخفيف من نسبة البطالة .


وخلال النقاش العام قدّم السيد الأنور  المرزوقي نائب رئيس المجلس ملاحظات حول المبادرة التشريعية متسائلا عن إمكانية سن مشروع قانون يهدف الى ادماج أصحاب الاجازة والمتحصلين على شهادات الماجستير في المجالات الثقافية والصحية والتكوين المهني الخاص. 

وشدّد على ان حق العمل الذي ورد في المشروع يجب ان يشمل عديد المواطنين ولا يقتصر على المتحصلين على شهادة الدكتوراه باعتبار ان المتخرجين من مجال القطاع الخاص يشمل مختلف الشهائد والاختصاصات. واعتبر ان عدد الدكاترة المعطلين عن العمل يفوق احتياجات الدولة داعيا الى أهمية إيجاد حلول لهذه المسألة مع ضبط حاجيات سوق الشغل. وبين أهمية إيجاد حلول لبطالة أصحاب الشهائد العليا والتصدّي للتشغيل الهش وذلك  عبر ثورة تشريعية شاملة بما يتلاءم مع التطورات التكنولوجية واحتياجات سوق الشغل.


و تطرّق النواب خلال تفاعلهم الى مسار هذه المبادرة التشريعية التي حظيت بدراسة معمّقة من قبل لجنة التربية في الدورة السابقة والتي تعلّقت بالأساس بتفعيل نواة البحث في كل وزارة، فضلا عن تشجيع المبادرة الخاصّة وتحفيز المؤسسات الاقتصادية الصناعية لانتداب بعض الدكاترة في مجال اختصاصات معينة مع أهمية اعتماد مقاربة تمزج بين المقاربة الاجتماعية والاقتصادية من اجل إرساء اصلاح تعليمي شامل.

واكد النواب على ان مراجعة المقترح يجب أن تكون في اطار أشمل و نابع من أهمية الاستثمار في التعليم العالي و مردودية ذلك على الدولة،   داعين الى أهمية التركيز  على  مبدأ  مراقبة الاخلالات في هذا القطاع  والسعي نحو مزيد حوكمته حفاظا على جودة التعليم في تونس .

واستعرض النواب الصعوبات والاخلالات المتصلة بمجال التعليم العالي في القطاعين العمومي  والخاص، معتبرين ان  ارتفاع عدد مؤسسات التعليم العالي الخاص قد يعود الى تراجع التعليم العالي العمومي وتدهور هذا القطاع من حيث جودة التعليم من ناحية ومن حيث  تراجع مسؤوليات الدولة في ادماج الكفاءات وخريجي الجامعات في سوق الشغل الوطني .

كما تطرقوا الى إشكاليات متعلقة بمجال البحوث و مخابر البحث والاطار القانوني المنظّم لقطاع الباحثين، داعين الى اتخاذ إجراءات تشريعية ثورية واعداد استراتيجية شمولية تأخذ بعين الاعتبار تطور نسق التعليم العالي الخاص واحتياجات سوق الشغل وهجرة الأدمغة وغيرها من العوامل.

واثار النواب كذلك بعض الصعوبات التي  تهم قطاع التعليم العالي الخاص ولا سيما مسالة التأجير والتشغيل الهش ونقص  اعتماد المدرسين القارّين، داعين الى تكثيف الرقابة وإيجاد حلول جديرة بمزيد ادماج المؤطّرين والمدرسين بما يليق بهذه الفئة من الكفاءات . 

كما شدّد المتدخلون على أهمية المحافظة على قيمة الشهادة العلمية التونسية  كمكسب وطني، و تعزيز جودة التعليم العالي العمومي والخاص مع الحرص على الرأس المال البشري و إقرار إجراءات  تحفّز الكفاءات على التدريس في تونس للحد من هجرة الأدمغة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي .

كما تطرق النواب الى المذكرة الصادرة عن وزارة التعليم العالي التي تلزم الأساتذة الجامعيين الملحقين بالخارج بالعودة إلى تونس بعد فترة محدّدة من التدريس ، مبيّنين مدى تأثير هذا القرار على المصلحة العامة من حيث إضعاف فرص انتداب الجامعيين التونسيين والإضرار بصورة تونس في الاكاديميات الدولية وفقدان الثقة والمصداقية في الإطارات التونسية .

واعتبروا أن هذا القرار ستكون له تداعيات مالية على ميزانية الدولة عبر تحميل الدولة نفقات رواتبهم مجددًا دون توفر ساعات تدريس كافية لهم وانخفاض التحويلات المالية من العملة الصعبة، فضلا عن  الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على المدرسين الجامعين وأسرهم.  

 و طالبوا بإعادة النظر في هذا القرار بما يتماشى مع خصوصيات الإلحاق الجامعي مع فتح باب الحوار مع ممثلي الجامعيين وتوسيع الاستشارة للوصول إلى حلول متوازنة تحافظ على مصالح الدولة والملحقين على حد سواء.

هذا وأكّد المتدخّلون ان مقترح القانون سيحقق النجاعة البيداغوجية والعلمية وسيعزز الثقة في مؤسسات التعليم العالي الخاص، كما يتكامل مع المبادرة التشريعية المتعلقة بالحد من التشغيل الهش، مع أخذ فلسفة الدستور  التي تقوم على الدور الاجتماعي للدولة،  بعين الاعتبار.

وأبرزوا في علاقة بمضمون المقترح، أنّه لم يكن من المقبول وجود أساتذة غير قارين في مؤسسات التعليم العالي الخاص، وأنه تمّ تحديد نسبة المدرسين القارين من جملة إطار التدريس المباشر بالمؤسسة الخاصة للتعليم العالي بـ30% وهي نسبة لم يتمّ الاعتراض عليها من قبل الأطراف التي تمّ الاستماع اليها في اطار جلسات الاستماع التي عقدتها اللّجنة سابقا.

وأكّد النواب أهميّة التنظير في ساعات العمل والتّأجير مشيرين إلى أن رقي المؤسسة التعليميّة وقدرتها التنافسية والابداعية مرتبطة أساسا بتحسين وضعية الأساتذة وجودة التعليم. واقترحوا في هذا الصدد توحيد امتحانات التخرّج  كآلية من آليات تحسين جودة التعليم حتى  تكون الشهادة ذات قيمة.

كما بيّنوا أنّ التنصيص على مدّة امهال بسنتين تمّ ادراجه لتمكين مؤسّسات التعليم العالي الخاص من التأقلم مع ما ورد في مقترح القانون. 


وقدّم الضيوف من الأساتذة الجامعيين، عديد الملاحظات، حيث اقترحوا اضافة التنظير في التدرج في المسار المهني ضمن الفصل الثاني من مقترح القانون، كما دعوا إلى تحديد صيغة الانتداب المنصوص عليه،وإلى التفكير في فتح المجال أمام التكوين المستمرّ والتكوين عن بعد في الجامعات التونسيّة بما يمكّن من استيعاب الآلاف من أصحاب الشهائد العليا. كما تمّت الإشارة إلى ضرورة اعتماد نفس المقاييس والإجراءات لانتداب الأساتذة في قطاع التعليم العالي العمومي والخاص. هذا وتمّ تّأكيد ضرورة تطابق اختصاصات الدكاترة المعنيين بالتشغيل في مؤسسات التعليم العالي الخاص مع الشعب التي تدرّسها هذه المؤسسات.


وفي ختام النّقاش، أكد رئيس مجلس نواب الشعب ضرورة بحث كل الجوانب المتعلقة بإصلاح التعليم بصفة عامة لوضع استراتيجيا وطنية متكاملة تعيد توجيه البوصلة في المسار الصحيح. مشدّدا على دور المؤسّسات التعليميّة في تكريس قيم الانتماء والوطنيّة وبناء جيل متشبّع بهذه القيم.


وفي تعقيبه أكّد الوزير حرص وزارته على الاصلاح في القطاعين العمومي والخاص، مبيّنا أن الوزارة منكبة على اعادة النظر في الخارطة الجامعية ودمج بعض المؤسسات، بالإضافة إلى اعادة النظر في منظومة الدكتوراه خاصة فيما يتعلق بقبول الطلبة الدوليين. كما أفاد أن الوزارة بصدد القيام بدراسات بهدف إعادة النظر في عديد القوانين القديمة وأنه سيتمّ احالة العديد من المبادرات التشريعية على مجلس نواب الشعب.




الملفات المرفقة :

مقالات أخرى