لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة تعقد جلسة استماع حول مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة

في إطار مواصلة النّظر في مشروع القانون المتعلّق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة، استمعت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة يوم الأربعاء 16 أفريل 2025 الى رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الذي كان مرفوقا بالأستاذ والخبير في قانون الشغل حاتم قطران وعدد من المسؤولين بالاتحاد.

وبيّن الضيوف في مستهل الجلسة أنّ هذا اللقاء يأتي تكريسا لسنّة التشاور بين الوظيفة التشريعية وممثلي أصحاب العمل، مؤكّدين تبنّيهم لماورد من أحكام في نص المشروع الذي يهدف إلى ضمان الاستقرار في العمل كأحد مقوّمات العمل اللائق، وانسجاما مع التوجّهات العامة للدولة في تنظيم العلاقات الشغلية وتنفيذا لقرار سيادة رئيس الجمهورية بالقطع مع مختلف أشكال التشغيل الهش.

وبيّن المتدخّلون أنّ إقرار المشروع لمبدأ إبرام عقود الشغل لمدّة غير معينة واعتبار العقود معيّنة المدة استثناء تفرضه طبيعة العمل،  يعدّ  رجوعا للأصل وتداركا لخلل يشوب القانون الحالي الذي يساوي بين النوعين من العقود في مواطن العمل القارة، لكنه يتطلّب إبداء بعض الملاحظات ومن بينها مراجعة النظام القانوني المنظّم لتسريح العمال لأسباب اقتصادية، ويعتبر مشروع القانون المتعلق بإحداث نظام للتأمين على فقدان مواطن الشغل خطوة مهمة في هذا المجال.

كما تقدّم ممثّلو المنظمة بجملة من التعديلات على نص المشروع من أهمّها طلب التوسّع في قائمة الاستثناءات موضوع الفصل 6-4 فقرة أولى بإضافة حالة منصوص عليها بالفصل في صيغته الحالية وتتمثل في "الأشغال الأولى لتركيز المؤسسة"، وذلك بغاية تحفيز الاستثمار، وحالة أخرى تسمح بانتداب العاطلين عن العمل المسجّلين بمكاتب التشغيل بعقود محددة المدة تصاحبها دورات تدريبية بغية تحفيز تشغيل الشباب. واقترحوا تحديد مدّة العقد في كلا الحالتين بسنتين على الأكثر بما في ذلك فترات التجديد بالإضافة إلى حالة العقد المحدد بمدة إنجاز العمل موضوع العقد وذلك من أجل الأخذ بعين الاعتبار طبيعة بعض الأعمال ذات الصبغة الوقتية كاللزمات والصفقات العمومية.

كما اقترحوا في ذات السياق تعويض عبارة "زيادة غير عادية في حجم الخدمات أو الأشغال" بـ "زيادة غير عادية في حجم العمل" باعتبارها أدق وأشمل، مع ضرورة التنصيص في المشروع المعروض على إصدار أمر ترتيبي يوضّح المفاهيم الواردة بهذا الفصل والتي قد تختلف التأويلات بشأنها عند التطبيق ويعطي قائمة غير حصرية للأعمال التي يمكن اعتبارها موسمية أو لا يمكن اللجوء فيها للعقود غير محدّدة المدة.

أما بالنسبة لفترة التجربة فقد اقترح المتدخلون الإبقاء على المدد المعمول بها حاليا، وهي ستة أشهر لأعوان التنفيذ وتسعة لأعوان التسيير وسنة للإطارات، مع قابلية التجديد مرة واحدة والتي نص عليها القانون التعاقدي وتعتبر من مكتسبات المفاوضات الجماعية لأن ذلك يترك مجالا هاما للمؤجّر لتقييم سلوك العون وتفانيه في العمل واستعداده للتفاعل الإيجابي مع متطلّبات العمل ومع زملائه بالمؤسسة خاصة إذا كان من ضمن الإطارات. كما اعتبروا أن مدة التنبيه على الطرف الآخر والمحددة بـ 15 يوما مبالغ فيها ويستحسن اعتماد مدّة أقصر أو مدّة متغيرّة حسب أقدمية الأجير في فترة التجربة.

ولاحظوا في ذات السياق أنّه كان من الأفضل أن تسبق المشروع استشارة على أوسع نطاق مع مختلف المنظّمات الممثّلة للعمال وأصحاب العمل وكذلك دراسة تقييم أثر للمشروع المعروض، خاصة وأنّ تونس صادقت على عديد الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن والتزمت من خلالها بالتفاوض الاجتماعي والمشاورات.

وفيما يتعلّق بالمناولة، تمّ التأكيد أن الاتحاد يؤيّد منع المتاجرة باليد العاملة لكنه يعبّر عن تحفّظه بخصوص العقوبات السجنية التي أقرّها المشروع في الفقرة الأخيرة من الفصل 29 باعتبار أنّ المؤجر شريك اجتماعي ولا يجوز معاملته كخارج عن القانون، مع اقتراح الاقتصار على عقوبات مالية يقع الترفيع في قيمتها تناسبا مع المخالفات الممكن ارتكابها.

كما دعا المتدخّلون إلى تدقيق صياغة الفصل 30 جديد من المشروع ذلك أن عبارة "معارف مهنية أو تخصّصا فنيا" غامضة ومن شأنها التضييق في مجال تطبيق الفصل، وكذلك بالنسبة لاشتراط أن تكون مناولة  العمل في غير الاختصاص الأصلي للمؤسسة خاصة وأن عديد المؤسسات التونسية الصغرى تعمل كمؤسسات مناولة لفائدة مؤسسات كبرى وطنية أو أجنبية في مجال النسيج والبناء والأشغال العامة وصناعة مكونات السيارات ومن شأن هذا التضييق أن يؤدي إلى اندثار هذه المؤسسات وهو ما يناقض روح الفصل الذي يهدف بالأساس لمنع الاتجار باليد العاملة لا غير.

كما اعتبر المتدخلون أن تنظيم العمل الوقتي بات أمرا ضروريا خاصة بعد إجازة القانون التونسي لمكاتب التشغيل بالخارج.

واعتبر الخبير في قانون الشغل أنّ القوانين الاجتماعية تهم النّظام العام وهي تسري بأثر فوري على العقود الجارية دونما حاجة للتنصيص على ذلك صراحة في النص، لكن لا يجب مطلقا أن تنطبق بأثر رجعي على عقود أبرمت ونفّذت وانقضت في ظل نفاذ القانون القديم وهو ما يستدعي مراجعة أحكام الفصل التاسع من المشروع.

وأثناء النقاش، ثمّن النواب مساندة الاتحاد لمشروع القانون وأبدوا تفاعلهم إيجابيا مع بعض مقترحات التعديل على غرار مراجعة أحكام فترة التجربة وضرورة السّماح للمؤسسات في طور التكوين أو في المراحل الأولى من نشاطها بالانتداب عبر العقود محدّدة المدّة ملاحظين أن "القيام بالأشغال الأولى لتركيز المؤسسة أو بأشغال جديدة" هي من ضمن الحالات المنصوص عليها بالفصل 6-4 النافذ حاليا ولا مبرر لإلغائها. 

كما أكّدوا في ذات السياق ضرورة التعمّق في مختلف جوانب المشروع حتى يكون النص النّهائي عمليا وقابلا للتطبيق ويساهم في تطوير العلاقات الشغلية ويضمن في الآن نفسه حقوق الأجراء وديمومة مواطن الشغل، مع التحفيز على الاستثمار الذي يخلق بدوره مواطن شغل جديدة. كما ساند بعض المتدخّلين فكرة تقنين مؤسّسات العمل الوقتي.

من جهة أخرى اعتبر  بعض المتدخّلين أن جميع التعديلات بما فيها المتعلّقة بتفسير أو توضيح بعض المفاهيم يجب تضمينها بنص القانون معترضين في ذلك على فكرة إحالة الأمر لنص ترتيبي قد يؤدّي إلى تحريف إرادة المشرّع أو يساهم تأخّر صدوره في تعطيل العمل بالقانون. كما عارض بعض المتدخلين حذف العقوبة السجنية في حالة العود.

وفي نفس الإطار تمت المطالبة بإيضاح أحكام الفصل 30 من المشروع فيما يتعلّق بمؤسّسات الحراسة والتنظيف العاملة في شتى القطاعات، وهل ان مجال نشاطها يدخل في اطار منع كل عقود او اتفاقيات مناولة اليد العاملة او في إطار عقود اسداء الخدمات او القيام بأشغال. 

وفي تفاعلهم مع تدخّلات النواب، ثمّن ممثلو الاتحاد التفاعل الإيجابي لأعضاء اللجنة مع العديد من مقترحاتهم، وتمّ التأكيد أن تونس لها قوانين جزائية رادعة لجريمة الاتجار بالبشر ويمكن تطبيقها في صورة توفّر أركان هذه الجريمة في خصوص مناولة اليد العاملة لكن مجال العقوبات الجزائية يبقى من مجال القانون الجزائي وليس قانون الشغل الذي يفترض فيه أن يكون جاذبا للاستثمار ومشجعا على الانتداب.

كما بينوا أن تقنين العمل الوقتي يجب أن يكون بالاستئناس بالقوانين المقارنة والممارسات الفضلى لعدد من الدول المتقدّمة التي نظّمت هذا النوع من العمل بشكل لا يمس من حقوق العمال حيث يتم التنصيص على مجموعة من الضمانات كاستقرار الأجير لدى مؤسسة العمل الوقتي، وحصر حالات اللجوء لهذا النوع من العمل في حالات معينة والمساواة الكاملة للأجير الوقتي مع باقي أجراء المؤسّسة المستفيدة. وأضافوا أنّ القانون الدولي نفسه قد تطوّر في هذا المجال خاصة منذ صدور اتفاقية العمل الدولية عدد 181 المتعلّقة بوكالات الاستخدام الخاصة.

الملفات المرفقة :

مقالات أخرى