نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب اليوم الأربعاء 7 ماي 2025 نـدوة حول "التضخّم التشريعي وتقنيات التحرير"، أشرف عليها السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، بحضور السيدة سوسن المبروك نائب رئيس المجلس، والسيد منير الفرشيشي، مدير عام مركز الدراسات القانونية والقضائية، وعدد من النواب.
وثمّن السيد إبراهيم بودربالة في بداية الأشغال التعاون القائم بين مجلس نواب الشعب ومركز الدراسات القانونية والقضائية، والذي يندرج في سياق الحرص على جودة صياغة التشريعات التي ينظر فيها مجلس نواب الشعب والإسهام في مساعدة النواب على القيام بدورهم التشريعي على الوجه الأفضل وفق مختلف الآليات. وأضاف أنّ مشاريع القوانين التي تقدّم من قبل الوظيفة التنفيذية تٌعرض على مركز الدراسات القانونية والقضائية لإبداء الرأي من حيث صياغة النّص والتجويد، وهو ما يمكن اعتماده بالنسبة إلى مقترحات القوانين التي تقدّم من قبل النواب لتكون متوافقة ومنسجمة مع النصوص التشريعية التي تعرض على المجلس.
ثم قدّم السيد منير الفرشيشي، المدير العام لمركز الدراسات القانونية والقضائية مداخلة حول "التضخّم التشريعي وتقنيات التحرير"، ذكّر في مستهلّها ببرنامج التعاون الذي تمّ ضبطه بين الأكاديمية البرلمانية ومركز الدراسات القانونية والقضائية، والذي يرتبط بعديد المجالات الحيويّة.
ثمّ تطرّق إلى علاقة الترابط بين التشريع والسياسة، مبيّنا أنّ القوانين هي تنفيذ لسياسات الدولة في مختلف المجالات. وأكّد في هذا الإطار أنّ التشريع الإيجابي هو الذي يتمكّن من تحقيق التناغم بين طلبات المجموعة وسياسات الدولة، مضيفا أنّ مراكمة سنّ القوانين تؤدّي إلى ما يسمّى بظاهرة التضخّم التشريعي، وأنّ هذه الظاهرة تتّسم بكثرة القوانين مع محدودية نجاعة التنفيذ.
وأفاد أنّ التضخّم التشريعي يتجسّم في إطار عام للتشريع يتصف أساسا بتشتّت النصوص التشريعيّة وبالغموض، وهو ما يؤثّر سلبا على القواعد الأساسيّة التي تحدّد مدى تقدّم الدول ومدى احترام الشفافيّة والحوكمة، وتتمثل هذه القواعد في النفاذ الى القانون والعدالة، والأمان القانوني، وجودة القانون.
وأكّد وجود استقرار قانوني في تونس حاليا نظرا لعدم سنّ أعداد كبيرة من النصوص التشريعيّة، مشيرا في المقابل إلى غياب الجودة التشريعيّة. و أبرز في هذا الصّدد الحاجة إلى مزيد العناية بالصياغة القانونيّة والاستناد إلى دراسات التّأثير في إطار إعداد مقترحات القوانين.
وتطرّق السيد منير الفرشيشي في جزء آخر من مداخلته إلى مظاهر التضخّم التشريعي، وبيّن أنّها تتمثّل في عدم كمال القانون لاسيما في حالات الإحالة على أوامر تكميليّة، وكذلك في العنصر التعدّدي للقانون الذي يعني إصدار عدّة نصوص لوضعيّة واحدة بقطع النّظر عن وجود تضارب من عدمه. كما تتمثّل في العنصر التعدّدي الى جانب تقادم النصوص والذي يبرز خاصة في المجال العقاري، بالإضافة إلى النصوص القانونية غير النافذة أصلا وذلك إمّا لغياب الدراسات الأوليّة أو لضعف التحرير.
وقدّم في الجزء الأخير من مداخلته جملة من مقترحات الحلول تنقسم إلى محورين، يتعلّق الأوّل بالحيطة والثاني بالمعالجة.
وفي ما يتعلق بالحيطة، أشار الى ما ورد بدستور 2022 الذي حدّد ثلاثة عناصر تتعلّق بثنائيّة المبادرة، وبالنصاب، وبالأولويّة الرئاسيّة. وأكّد فيما يتعلّق بحلول المعالجة أهميّة القيام بأعمال الإحصاء التشريعي، وإعادة التصميم التشريعي، إلى جانب الحاجة إلى القيام بالتطهير التشريعي عبر إزالة كلّ ما يعطّل مساره.
ثمّ شدّد على أهميّة القيام بأعمال الرقمنة التشريعيّة من خلال منظومة قانونيّة اعلاميّة، مشيرا الى عدة تجارب مقارنة في هذا المجال، ومؤكّدا الحاجة إلى بعث مركز مختصّ في تحرير النصوص التشريعيّة.
وتساءل النواب خلال النّقاش حول مدى الاحتياجات المتزايدة إلى ثورة تشريعية وجدواها القانونية وتمظهراتها في الواقع . و لاحظ آخرون عدم توفّر التشخيص الدقيق لهذه الثورة التشريعية المرجوّة، متسائلين عن خصوصياتها.
وشدّد عدد من النواب، على الحاجة الملحّة إلى حراك تشريعي تجسّده قوانين جديدة تبرز تبعا لتنقيح قوانين سائدة. وأشاروا إلى رصد فراغات تشريعية في بعض المجالات الحيوية على غرار مجال الأمن السيبرني.
ودعا البعض إلى مراجعة عدد من النصوص القانونية التي تحول عدة إشكاليات ومكبّلات دون تفعيلها، مشيرين في هذا الصدد الى قانون الجمعيات والى تعطّل مشاريع تخصّ باعثين شبّان.
وأثار عدد من المتدخلين مسألة التّكوين القانوني والتّشريعي للنّائب، وضرورة العمل على تدعيمه ليتمكن النائب من القيام بدوره على أحسن وجه، مؤكدين ضرورة التّفكير في إجراءات كفيلة بمزيد دعم الدّور الرّقابي للبرلمان خاصّة على ضوء مميّزات المرحلة الرّاهنة.
وتحدّث البعض عن التّعطيلات الحاصلة على مستوى تنفيذ بعض الأوامر والقوانين بالنظر إلى البيروقراطيّة والصعوبات على أرض الواقع.
كما أشار جانب من النواب الى مسألة التّوظيف الأمثل للكفاءات خاصّة في مستوى تجسيد التّكامل بين الوظيفتين التّشريعيّة والتّنفيذيّة، والعمل على تجاوز الصّعوبات على المستويين الإجرائي والتّنفيذي.
وأشار نواب اخرون الى أهمية بعث مركز مختصّ في تحرير النّصوص القانونيّة والتّشريعيّة، داعين إلى أن يضمّ لجانا خاصّة بتقييم الأداء مع الوظيفة التّنفيذيّة، وشدّدوا على ضرورة تعميم برامج الرّقمنة في الفضاء الإداريّ ومراجعة العوائق التّي تحول دون تنفيذ آليّات التّدخّل الحكومي في مجال الانتزاع للصّالح العامّ.
وفي تعقيبه على التدخّلات، شدّد السيّد منير الفرشيشي مدير عام مركز الدّراسات القانونيّة والقضائيّة، على ضرورة تنويع روافد التّكوين التّشريعيّ لفائدة النواب خاصّة في مجالات تتعلق بالتّصرّف، وتفعيل البعد التّشاركيّ مع مكوّنات المجتمع المدني.
وفي ختام الأشغال، أكّد السيد ابراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب أهمية تكريس مبدا الشّفافيّة والشّراكة في كسب مختلف الرّهانات، مع الاستعانة بالكفاءات الوطنيّة التّي من شأنها إحداث قيمة مضافة للأداء التّشريعيّ للمجلس ـ وذكّر في هذا الصّدد بدعوة النواب إلى تقديم مقترحاتهم حول منهجيّة الشّراكة مع مركز الدراسات القانونيّة والقضائيّة.